هذه الجهة، لأن اتخاذهم قرار الحرب ضد قريش كان أسهل وأيسر، لأن وقوفهم ضدها له مبرراته النفسية والاجتماعية كاملة، فإن الكل يعلم: أنها كانت تلك القوة الغاشمة التي أهانتهم، وعذبتهم وأخرجتهم من ديارهم، وسلبتهم أموالهم. ولأن المهاجرين الذين كانوا مشردين، مقهورين، كانوا يشعرون بظلم قريش وخروجها على كل النواميس الأخلاقية والأعراف الاجتماعية، والأحكام العقلية والدينية والفطرية. فاندفاعهم إلى محاربتها، والوقوف في وجهها يكون أعظم وأشد. كما أن تحريكهم إلى مضايقة قوافلها، التي تمثل إغراء لهؤلاء الذين فقدوا أموالهم، وكل ما لديهم على أيدي أصحاب هذه القوافل نفسها، يكون أسهل وأيسر.
وخلاصة الأمر: لا يمكن أن ينظر إلى وقوفهم في وجه قريش على أنه تجني واعتداء عليها، بل هي حرب محقة وعادلة لمن هذه معاملتهم، وتلك هي حالتهم وسلوكهم. مع من؟!. مع أحب الناس وأقربهم نسبا إليهم، فكيف تكون الحال لو كان الأمر مع غيرهم ممن لا تربطهم بهم رابطة قربى، ولا وشائج رحم؟!.
د: الحالة النفسية للمهاجرين:
وبعد ما تقدم، فقد كان اتخاذ المهاجرين قرار الحرب أيسر من اتخاذ الأنصار قرارا كهذا، حيث لا يعتبر ذلك اعتداء، بقدر ما هو رد للاعتداء، فهو إذن قرار له مبرراته السياسية والاجتماعية والنفسية، وكان لابد من حصول هذا الأمر، حيث يوجد المناخ العام الملائم حينئذ لدخول الأنصار للحرب ليكونوا الدرع الواقي، والسيف القاطع.
فبدأ المهاجرون في تحركاتهم، وقد أعطتهم هذه التحركات التدريجية، وهم الغرباء عن المنطقة فرصة للتعرف عليها جغرافيا، ولو بشكل محدود، فقد كان المهاجرون المصدومون نفسيا، يشعرون بالغربة عن المنطقة، فهم بحاجة إلى حركة تعيد لهم الثقة بأنفسهم، وترفع