الدقة، إلى الحد الذي يضمن معه أن يحفظ في هذا المجتمع الجديد معها التماسك والتعاضد إلى أبعد مدى ممكن وأقصى غاية تستطاع، لا سيما وأنه كان يؤاخي بين الرجل ونظيره، كما أشرنا إليه.
وسر ذلك يرجع إلى أن هذه المؤاخاة قد أقيمت على أساسين اثنين:
الأول: الحق:
فالحق هو القاسم المشترك بين الجميع، عليه يبنون علاقاتهم، وهو الذي يحكم تعاملهم مع بعضهم البعض في مختلف مجالات الحياة.
نعم، الحق هو الأساس، وليس الشعور الشخصي النفسي، ولا المصلحة الشخصية أو القبلية، أو الحزبية!!
وبديهي: أن الحق إذا جاء عن طريق الأخوة والحنان والعطف، فإن ذلك يكون ضمانة لبقائه واستمراره، والتعلق به، والدفاع عنه.
أما إذا فرض هذا الحق فرضا عن طريق القوة والسلطة، فبمجرد أن تغيب السلطة، والقوة، فلنا أن نتوقع غياب الحق، لأن ضمانة بقائه ذهبت، فأي مبرر يبقى لوجوده، وبقائه؟!. بل ربما يكون وجوده وبقاؤه مثارا للأحقاد والإحن التي ربما يتولد عنها الظلم والطغيان في أبشع صوره وأخزاها، وأسوأ حالاته وأقصاها.
الثاني: المؤاساة:
فهذه الأخوة إذن ليست مجرد توهج عاطفة، أو شعور نفسي، وإنما هي أخوة مسؤولة ومنتجة، تترتب عليها آثار عملية بالفعل، يحس الانسان فعلا بجدواها وبفعاليتها، تماما كالأخوة التي في قوله تعالى: " إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم " (1) حيث جعل مسؤولية الصلح