على التفصيل نعم جميع الفوائد التي نصب لأجلها لا تكون حاصلة وهذا لا يضر لأن السبب في ذلك هم العباد باخافتهم له التي أوجبت استتارة بل لو فرض محالا عدم الفائدة في وجوده حال استتاره لم يكن في ذلك قبح بعد أن كان سبب استتاره من خوف الظالمين.
الشبهة السادسة إذا جاز أن يستتر للخوف من الناس بحيث لا يصل إليه أحد وتفوتهم منافع وجوده جاز أن يكون معدوما أو أن يموت حتى إذا علم الله أن الرعية تمكنه أوجده أو أحياه كما جاز أن يبيحه الاستتار حتى إذا علم منهم التمكين أظهره والجواب أولا انا لا نقطع أنه لا يصل إليه أحد فهذا أمر غير معلوم ولا سبيل إلى القطع به هكذا ذكر الطبرسي في إعلام الورى ولكن وردت أخبار دالة على عدم امكان الرؤية بعد الغيبة الصغرى أي في الغيبة الكبرى فان عملنا بها فلا مساع لهذا الجواب وبعضهم أولها بان المراد نفي الرؤية بحيث يعلمه بعينه ويقطع بأنه هو هو حال رؤيته أو بغير ذلك من الوجوه كما يأتي وثانيا أنه لا يجوز أن يكون معدوما للأدلة القاطعة العقلية والنقلية التي دلت على عدم جواز خلو العصر من امام فعلى الله تعالى أن ينصب للناس إماما تتم به الحجة وينقطع العذر فإذا فاتهم الانتفاع به بسبب منهم لم يقدح ذلك في تمام الحجة بل تكون لازمة لهم لأنه إذا أخيف فغيب شخصه منهم كان فوات المصلحة منسوبا إليهم فيلزمهم اللوم والذم والمؤاخذة عليه ولا يجوز أن لا ينصب لهم إماما ولو علم أنه لو نصبه لهم لأخافوه أو قتلوه لأن الحجة عليهم لا تتم بدون نصبه بل تكون الحجة فيما فات من مصالح العباد لازمة له تعالى لأن ما فاتهم من المصالح يكون منسوبا إليه تعالى ولا يجوز ان يسببوا فعلا لله تعالى ولله الحجة البالغة هذا مع قطع النظر عن أن في وجوده في حال غيبته منافع ليست في حال عدمه وهي ما أشرنا إليها في جواب الشبهة الخامسة الشبهة السابعة لو كان موجودا لوجب أن يظهر لوجود الداعي إلى ظهوره وهو انتشار الفساد وضعف الدين وتعطيل الاحكام والحدود وشيوع الظلم والجور وهو إنما يظهر ليملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا والجواب إذا كانت غيبته بأمر الله تعالى فظهوره لا يكون إلا بأمر الله تعالى ولا نقدر أن نحيط بالعلة التي توجب ظهوره ولا بالحكمة التي تقتضي أمر الباري تعالى له بالظهور فان ذلك لا يطلع عليه الا علام الغيوب فعلى قول من يقول إن أفعال الباري تعالى لا تعلل بالعلل والأغراض فالأمر واضح إذ ليس لنا أن نسأل عن علة عدم ظهوره ولا عن علة ظهوره وعلى قول أصحابنا بان أفعاله تعالى معللة بالعلل والأغراض لا يمكننا الإحاطة بتلك العلل وأمرها موكول إليه تعالى وقد كان يوسف ع وهو نبي ابن نبي معصوم لا يصدر إلا عن أمر ربه بينه وبين أبيه يعقوب ع مسافة غير كثيرة البعد وهو حزين عليه حتى ذهب بصره وهو قادر على أن يخبره بمكانه فلم يفعل حتى أذن له الله تعالى في ذلك ولم يكن تركه لاعلام أبيه ع مع تلك الحالة التي وصفناها الا عن أمر الله تعالى لحكمة اقتضت ذلك وهذا كما أن الله تعالى لم يبعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة الا بعد أربعين من عمره مع انتشار الكفر والفساد وعبادة الأوثان والالحاد وليس لاحد أن يقول لم أخر بعثته إلى الأربعين ولم يبعثه قبل ذلك مع وجود المقتضي لبعثه لأن ذلك معارضة للحكيم فيما لا يطلع عليه ولا يعلم حكمته غيره مع أنه إذا جاز أن يؤخر الله تعالى خلقه مع وجود الظلم جاز أن يؤخر ظهوره مع وجوده على أن الوارد أنه لا يظهر حتى تمتلئ ظلما وجورا ولم يحن بعد ذلك الزمان.
الشبهة الثامنة إذا كان الخوف هو المانع له عن الظهور وكان يخاف من أعدائه فلم لا يظهر لشيعته وأوليائه يرشدهم إلى ما لا يعلمون والجواب أنه بعد ما قامت الأدلة القاطعة على وجوده وعصمته فلا يمكن الاعتراض والسؤال لم فعل كذا ولم يفعل كذا لأنا نعلم أنه لا يصدر الا عن أمر ربه ولا يتجاوز ما حدد له وقد أجيب عن ذلك بوجوه أحدها أن سبب عدم ظهوره لأوليائه الخوف من انتشار خبره وظهور أمره بإذاعة من يظهر لهم ثانيها أن غيبته عن أعدائه للخوف منهم وعن أوليائه للخوف عليهم فإذا ظهر لهم ذاع خبره وطولبوا به ثالثها وهو الذي عول عليه المرتضى قال أولا لا نقطع أنه لا يظهر لجميع أوليائه فان هذا أمر مغيب عنا ولا يعرف كل منا إلا حال نفسه ثانيا نقول في علة غيبته عنهم أنه إنما يميز شخصه بالمعجز الذي يظهر على يديه والشبه تدخل في ذلك فلا يمتنع ان يكون كل من لم يظهر له من أوليائه هو المعلوم من حاله أنه متى ظهر له قصر في النظر في معجزة ولحق بهذا التقصير بمن يخاف منه من الأعداء أقول أن الأخبار قد جاءت بظهوره لأوليائه وثقاته في الغيبة الصغرى مدة أربع وسبعين سنة كما مر أما بعدها فقد تقدم بعض الأخبار الدالة على عدم امكان رؤيته وتكذيب من يدعي ذلك وسواء قلنا بذلك أو قلنا بامكان الرؤية في الغيبة الكبرى وحملنا ما يدل على العدم على بعض الوجوه مثل إرادة نفي الرؤية التي يعرفه فيها بعينه وشخصه يمكن أن نقول أن سبب عدم ظهوره لأوليائه هو بعض الوجوه المتقدمة والله أعلم.
الشبهة التاسعة الحدود التي تجب على الجناة في حال الغيبة إن قلتم بسقوطها صرحتم بنسخ الشريعة وإن كانت ثابتة فمن الذي يقيمها والامام مستتر غائب والجواب أن الحدود ثابتة على مستحقيها وغير ساقطة والإثم في تفويت اقامتها على المخيفين للامام المحوجين له إلى الغيبة فحالها في زمن الغيبة عندنا حالها في زمن عدم تمكن أهل الحل والعقد من اختيار الإمام عندكم فما أجبتم به فهو جوابنا ثم أن الشبهة لا تختص بحال الغيبة بل تجري في حال وجود الأئمة وعدم تمكنهم والجواب في الحالين واحد.
الشبهة العاشرة إن قلتم ان الحق مع غيبته لا يدرك ولا يوصل إليه فقد جعلتم الناس في حيرة وضلالة مع الغيبة وإن قلتم يدرك من جهة الأدلة المنصوبة عليه فقد صرحتم بالاستغناء عن الامام بهذه الأدلة وهذا خلاف مذهبكم والجواب إن الحق قسمان عقلي وسمعي فالعقلي يدرك بالعقل ولا يؤثر وجود الامام ولا فقده والسمعي عليه أدلة منصوصة من أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأقوال الأئمة الصادقين ع ولكن الحاجة مع ذلك إلى الامام ثابتة في كل عصر وعلى كل حال أولا لكونه لطفا (1) لنا في فعل