الرسائل العملية في أحكام العبادات وذلك لاشتغاله بالتدريس وأجوبة المسائل التي ترد عليه من الاستفتاءات من جميع الأقطار وأجوبة الرسائل التي ترد عليه في شتى الأمور وانشغاله بأمور الرياسة ومباشرة أكثر أمورها بنفسه وذلك لا يترك له فراغا لأن يخط سطرا واحدا في التصنيف والتآليف. ولما ألفنا رسالة التنزيه لأعمال الشبيه وهاج هائج المغرضين واستهووا العامة والرعاع، كان له موقف حازم في نصرتنا وتأييد نظرنا بقدر الاستطاعة وأصابه رشاش مما أصابنا كما أخبرنا بذلك حين اجتماعنا به في الكوفة ثم ما لبث ذلك الزبد ان ذهب جفاء.
ما أسداه إلينا من الجميل في سفرنا لزيارة العتبات العاليات عام 1352 1353:
فقد أوفد وفدا من قبله لاستقبالنا في كربلاء وآخر لاستقبالنا في خان الحماد وخرج لملاقاتنا في جمع غفير من العلماء والفضلاء والوجهاء وغيرهم حين دخولنا النجف وأنزلنا في داره ليلة وصولنا للنجف ثم كرر الزيارة لنا بعد وصولنا للنجف في أغلب الأيام كما كرر الزيارة لنا بمنزلنا بالكوفة ولما عزمنا على التوجه لزيارة الرضا ع حضر إلى منزلنا وطلب اخلاء المجلس ثم قال أ تريد السفر إلى إيران قلت نعم فقال يلزم ان تستعد للباس يقي البرد لأن إيران باردة وكثيرة الثلج وكان ذلك في أوائل نيسان ثم قال وأين تريد أن تنزل في طهران قلت أنا رجل درويش لا أبالي أين أنزل قال هذا لا يمكن ان إيران ليست جبل عامل فلا بد من نزولك في منزل معروف قلت إن رجلا ممن ينتسب إلى العلم من أهل طهران كان في النجف وعرض علي النزول في داره وأجبته قال هذا لا يصلح أن تنزل في داره قلت قد وعدته بذلك ويصعب علي خلف الوعد قال المحافظة على مكانة العلم أهم من خلف الوعد فاختر غيره من أهل المكانة في العلم لاكتب له بذلك قلت أنا لا أعرف أحدا هناك وإنما أسمع بالشيخ إسحاق الرشتي والسيد محمد البهبهاني قال اختر أحدهما لاكتب له فاخترنا الرشتي ثم قال إذا لزمك أمر في كرمانشاه فراجع فلانا وإذا لزمك أمر في طهران فراجع فلانا وإذا لزمك أمر في خراسان فراجع فلانا ثم طلب دفترا فكتب أسماءهم فيه بخط يده فشكرته على ذلك وانصرف ولكني لم احتج والحمد لله إلى مراجعة أحد من هؤلاء الا الخراساني فراجعته في بعض الأمور. وبعد سفرنا إلى إيران كان يستخبر عن أحوالنا في كل بلدة نصلها وعن جزئيات أمورنا وكلياتها في جميع مدن إيران وبلدانها وتأتيه أخبارنا في كل يوم وكل مكان. ولما رجعنا من إيران إلى العراق بعد ما أقمنا في إيران نحو خمسة أشهر ونصف شهر التقينا به في كربلاء فأول ما رأيناه قال أ تريد أن نكلمك بالفارسي أو بالعربي قلت بما شئت فقال لا تذكر لي شيئا مما جرى لك في إيران، كله عندي علمه، وأخبارك كانت تأتيني يوما فيوم وساعة فساعة. ورأيته مولعا بتدخين النارجيلة فنهيته عن ذلك فكان يمتنع عن تدخينها بحضوري. وذكرت له في النجف أثناء الحديث ما عملته في سوريا مما ربما يكون اصلاحا فقال لي أ تدري لما ذا عملت هذه الأعمال ذلك لأنه ليس معك فيها أحد من أهل هذا السلك. وقد ابتلي بقتل ولده وفلذة كبده السيد حسن الذي مرت ترجمته في محلها فقد قتل ذبحا في الصحن الشريف العلوي وهو في صلاة الجماعة خلف والده بين العشائين من رجل يدعى علي القمي من اللامزين في الصدقات انتقاما من والده إذ لم يعطه من المال فوق ما يستحق فشحذ سكينا وذبح بها هذا النجل الكريم بين مئات من المصلين وخرج من الصحن الشريف شاهرا سكينه حتى دخل المخفر القريب من الصحن وسلم نفسه للجنود الذين فيه ليسلم من القتل وحكم عليه بالسجن فصبر والده واحتسب وانهالت برقيات ورسائل التعازي عليه من جميع الأقطار وهو يجيب عن جميعها. وقبل وفاته بسنين قليلة عرض له ضعف في المزاج وتوالت عليه الأمراض فكان يخرج في أيام الصيف إلى الكاظمية وسامراء فيقيم فيها لتغيير الهواء فتنهال عليه البرقيات والرسائل للاستعلام عن صحته فيجيب عن جميعها حتى أنه كان ينفد الورق المعد للبرقيات من عند مأمور البرق والبريد لكثرة ما يرد عليه ويجيب عنه فيكتبها على ورق عادي. وفي السنة التي توفي فيها أشير عليه بتغيير الهواء فأراد الذهاب إلى إيران ثم امتنع لما كان فيها من القلاقل وعزم على قضاء فصل الصيف في بعلبك وجاء متكتما ولكن الخبر انتشر رغم التكتم فبلغنا ونحن بدمشق فخرجنا مع جمع من الاخوان من جميع الطبقات إلى أبي الشامات وكان في النية أن ندعوه ليعرج على دمشق وزين الحي لقدومه واستعد أحد الاخوان لوليمة كبيرة ولكن لما قابلناه اعتذر بأنه لا يستطيع النهوض وان إحدى يديه لا يستطيع تحريكها وانه يحتاج إلى أن يحمل من السيارة حملا على الأكف ودخوله دمشق بهذه الحالة موجب للحزن بدلا عن أن يكون موجبا للسرور فعذرناه وشيعناه بعد خروجه من دمشق مسافة وعدنا وأرسلت الحكومة السورية سيارة مصفحة فيها ثلة من الجند تلقته إلى الحدود السورية ورافقته حتى وصل دمشق وأوفدت أحد رجالها مع المستقبلين وفي اليوم الثاني من وصوله لبعلبك أرسل ولده الآقا حسين مع لفيف من أصحابه لرد الزيارة لنا والاعتذار عن عدم تعريجه على دمشق بشدة الضعف والمرض ثم زرناه في بعلبك في وفد من الاخوان في عدد كبير من السيارات فأعاد اعتذاره عن عدم التعريج على دمشق وتوافدت عليه الوفود وهو في بعلبك من جميع الأقطار من الوجهاء والكبراء والعلماء في جبل عامل وبلاد بعلبك وبيروت ودمشق وسائر أقطار سوريا، وعرض له وهو في بعلبك بعد ما حسنت صحته شيئا ما ان سقط على الأرض فأصيب بكسر في فخذه وخروج عظم وركه من موضعه وعولج من قبل المجبرين ثم سافر مع حاشيته في طائرة لبنانية وتوفي في الكاظمية بعد وصوله بأيام قلائل وفجع بوفاته العالم الاسلامي رحمه الله رحمة واسعة وحق أن يقال فيه: