وتوفي ليلة الثلاثاء 9 ذي الحجة سنة 1365 في الكاظمية عن 81 سنة وحمل نعشه إلى النجف الأشرف فدفن فيه وشيع تشييعا عظيما لم يسبق له مثيل في بغداد وكربلاء والنجف وعطلت أسواق طهران عاصمة إيران ثلاثة أيام حدادا عليه وأقيمت له مجالس الفاتحة في مدن إيران ومدن العراق وقصباته ودمشق وفي جملة من بلاد جبل عامل وسوريا وحضر شاة إيران ووزراؤه مجلس فاتحته في طهران واشترك في مأتمه عظماء المسلمين من جميع النحل وعظماء النصارى واليهود وغيرهم.
أحواله التي أخبرنا بها من لفظه في النجف الأشرف عام 1352 قال إن والده لم يكن من أهل العلم وإنما كان جده من العلماء وقرأ جده في النجف الأشرف على الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء وكتب تقريرات درسه وهي عند المترجم. وولد السيد محمد أبو المترجم في كربلا حين مجئ والده إلى العراق لطلب العلم. وقرأ المترجم أولا في قريته على بعض أهل العلم فيها ثم رحل في أوائل البلوغ إلى إصفهان فقرأ على علمائها وأتم فيها السطوح وحضر في دروس الخارج وكان ممن قرأ عليهم في إصفهان الشيخ محمد الكاشي وكان الشيخ محمد هذا عالما في علوم عديدة منها علم الحكمة العقلية والرياضي ثم رحل المترجم إلى النجف الأشرف سنة 1308 وأخذ عن الميرزا حبيب الله الرشتي في الفقه إلى أن توفي الرشتي سنة 1312 واختص بالشيخ ملا كاظم الخراساني فحضر دروسه في الفقه والأصول إلى أن توفي الخراساني سنة 1329 فاستقل بالتدريس. هذا ما أخبرنا به من لفظه حينما سألناه عن ترجمة أحواله.
ومن لطيف الاتفاق ان سنة ولادته موافقة لسنة ولادتنا ومجيئه إلى العراق في سنة مجيئنا إليها وقال انني جئت بعد وفاة الشيخ محمد حسين الكاظمي الذي توفي سنة 1308 وفي تلك السنة كان مجيئنا بعد وفاة المذكور وكان شريكنا في درس الشيخ ملا كاظم الخراساني في الأصول. هذا مع المشابهة بيننا في الشكل حتى كان كثير من الناس يشتبه بيننا وبينه حين تشرفنا بزيارة النجف سنة 1352، وافترقنا عنه بالسكنى في بلاد مضيعة العلماء وبما نحمد الله عليه من أننا لم نبتل بكثير مما ابتلي به فلعل سكنانا ببلاد المضيعة كان لخير اراده الله بنا، وبأنه اشتغل بأمور الرياسة والتدريس وأجوبة المستفتين واشتغلنا طول عمرنا وفي ليلنا ونهارنا في انزوائنا بالتأليف والتصنيف والقضاء وبعض مصالح العباد وأجوبة المستفتين وباننا بقينا بعده إلى مدة لا ندري منتهاها بعد ما مات أكثر لداتنا ونسأله تعالى أن يجعل باقي عمرنا مصروفا فيما يرضيه عنا ويحسن لنا الخاتمة.
بقية أحواله التي عرفناها كان علما من أعلام الدين واماما من أعظم أئمة المسلمين وقد انحصرت الرياسة العلمية الدينية في النجف الأشرف فيه وفي معاصره الميرزا حسين النائيني وقلدا في العراق وسائر الأقطار ثم انحصرت الرياسة فيه بعد وفاة النائيني سنة 1355 ومن جليل أعماله جراية الخبز على الطلبة بالنجف وما يعولون والنفقات المالية وارساله المرشدين من أهل العلم إلى الأقطار في إيران و العراق حتى البلاد التي يكون فيها عدد قليل من الشيعة وقيامه بنفقاتهم وايصاؤهم ان لا يقبلوا من أحد شيئا وتفقده أهل البيوتات والمستورين وبره بهم وعنايته بتطبيب المرضى منهم وارسالهم إلى البلدان التي فيها حذاق الأطباء وقيامه بنفقاتهم. ولما ظهر ان في كركوك ونواحيها عدد كثير يبلغ الألوف من المنتمين إلى ولاء أهل البيت وذلك بعد تقلص حكم العثمانيين عن تلك الديار وقد استولى عليهم الجهل وانتشر فيهم التصوف الغير المحمود والغلو وجهلوا أحكام الدين الاسلامي وأعماله أرسل إليهم الدعاة والمرشدين وعين لهم المشاهرات الوافية فكان يصل إلى بعضهم خمسمائة روبية في الشهر عدا ما يرسل إليه من الخلع والعباءات الفاخرة ليهدوها إلى الرؤساء استمالة لهم وألف لهم رسالة في أحكام العبادات بالتركية الشائعة بينهم وطبعها ووزعها عليهم وبنى لهم المساجد والحسينيات وإن كان بعض من أرسلهم أولا لم يحسن الدعاية على وجهها. وكانت الحكومة العراقية الإنكليزية بعد احتلال العراق عقيب الحرب العامة الأولى وقيام الثورات فيه قد أبعدته مع زميله النائيني إلى بلاد إيران بتهمة التدخل في منع الانتخابات النيابية فاحتفلت بهما إيران احتفالا عظيما فجاءا إلى قم وبقيا فيها مدة ثم عادا إلى العراق. وجبيت إليه الأموال من أقاصي البلاد وأدانيها ولم يبلغ أحد في عصره ما بلغه من ذلك حتى بلغت نفقاته في كل شهر من عشرين ألف إلى ثلاثين ألف دينار عراقي فينفقها على طلاب العلم والفقراء ومن تلزم مصانعتهم وتأليف قلوبهم. ولو كان هذا الدخل والخرج في بيئة صالحة وأعوان مخلصين لأنتج على الأمة نتائج باهرة وأثمر ثمرات عظيمة وأخرج من فحول العلماء وطبقات الفضلاء أمة كبيرة زيادة على ما خرج وأوجد في العالم الاسلامي دعاية واسعة منتجة مثمرة وكان مدعاة للجد والعمل لا للبطالة والكسل. وهكذا فان أعمالنا كما بيناه في موضع آخر من هذا الكتاب لا يكون لها دوام وتكون أعمارها مقرونة باعمار القائمين بها فإذا ماتوا ماتت بموتهم لعدم ابتنائها على أساس الدوام.
نظرته عام سفري للعراق سنة 1352 ومارسته فرأيت فيه رجلا كبير العقل واسع العلم والفقه بعيد النظر دقيقه صائب الرأي عميق الفكر حسن التدبير واسع التفكير عارفا بمواقع الأمور جاهدا في اصلاح المجتمع لو استطاع شفيقا على عموم الناس عالي الهمة سخي النفس جليل المقدرة عظيم السياسة مضافا إلى مكانته العلمية في الفقه والاجتهاد وان ما حازه من الرياسة العامة كان عن جدارة واستحقاق (1) ولم يبرز منه مؤلف غير