شيخا أبيض الرأس واللحية حسن السمت والهيئة فظننا ان عنده شيئا من الحديث وانه قد أدرك الناس وكان سفيان اطلبنا للحديث وأشدنا بحثا عنه فتقدم إليه وقال يا هذا عندك شئ من الحديث فقال اما حديث فلا ولكن عندي عتيق سنتين فنظرنا فإذا هو خمار. وحدث أبو بكر بن عياش قال قال الفرزدق بالكوفة ينعي عمر بن عبد العزيز:
كم من شريعة عدل قد سننت لهم * كانت أميتت واخرى منك تنتظر يا لهف نفسي ولهف اللاهفين معي * على العدول التي تغتالها الحفر وحدث باسناده عن ابن كناسة قال حدثني أبو بكر بن عياش قال كنت إذ انا شاب إذا أصابتني مصيبة تصبرت ورددت البكاء فكان ذلك يوجعني ويزيدني ألما حتى رأيت بالكناسة أعرابيا واقفا وقد اجتمع الناس حوله وهو يقول:
خليلي عوجا من صدور الرواحل * بجهور حزوى وابكيا في المنازل لعل انحدار الدمع يعقب راحة * من الوجد أو يشفي نجي البلابل فسالت عنه فقيل ذو الرمة فأصابتني بعد ذلك مصائب فكنت أبكي فأجد راحة فقلت في نفسي قاتل الله الأعرابي ما كان أبصره واعلمه.
وحدث باسناد رفعه إلى أبي بكر بن عياش قال دخلت على هارون أمير المؤمنين فسلمت وجلست فدخل فتى من أحسن الناس وجها فسلم وجلس فقال لي هارون يا أبا بكر أ تعرف هذا قلت لا قال هذا ابني محمد ادع الله له فقلت يا أمير المؤمنين جعله الله أهلا لما جعلته له أهلا فسكت ثم قال يا أبا بكر أ لا تحدثني فقلت يا أمير المؤمنين: حدثنا هشام بن حسان عن الحسين قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الله فاتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها وان اعمال ذلك الزمان في النار الا من اتقى الله وأدى الأمانة، فانتفض وتغير وقال: يا مسرور اكتب، ثم سكت ساعة وقال: يا أبا بكر أ لا تحدثني فقلت يا أمير المؤمنين حدثنا هشام بن حسان عن الحسن قال قال أ تدري ما قال عمر بن الخطاب للهروان قال وما قال له قلت قال له ما يمنعك من حب المال وأنت كافر القلب طويل الأمل قال لأني قد علمت أن الذي لي سوف يأتيني والذي أخلفه بعدي يكون وباله علي ثم قال يا مسرور اكتب ويحك ثم قال أ لك حاجة يا أبا بكر قلت تردني كما جئت بي قال ليست هذه حاجة سل غيرها قلت يا أمير المؤمنين لي بنات أخت ضعاف فان رأى أمير المؤمنين أن يأمر لهن بشئ قال قدر لهن قلت يقول غيري قال لا يقول غيرك قلت عشرة آلاف قال لهن عشرة آلاف وعشرة آلاف وعشرة آلاف وعشرة آلاف وعشرة آلاف يا فضل اكتب بها إلى الكوفة والآن تحبس عليه ثم قال انصرف ولا تنسنا من دعائك. وحدث باسناده عن العباس بن بسنان قال كنا عند أبي بكر بن عياش يقرأ علينا كتاب مغيرة فغمض عينيه فحركه جمهور وقال له تنام يا أبا بكر فقال لا ولكن مر ثقيل فغمضت عيني. وحدث أبو هاشم الدلال قال رأيت أبا بكر بن عياش مهموما فقلت له ما لي أراك مهموما قال سيف كسرى لا أدري إلى من صار (1) وقال محمد بن كناسة يذكر أصحاب أبي بكر بن عياش:
لله مشيخة فجعت بهم * كانت تزيغ إلى أبي بكر سرج لقوم يهتدون بها * وفضائل تنمى ولا تحري وحدث المدائني قال كان أبو بكر بن عياش أبرص وكان رجل من قريش يرمي بشرب الخمر فقال له أبو بكر بن عياش يداعبه زعموا أن نبيا قد بعث يحل الخمر فقال له القرشي إذا لا نؤمن به حتى يبرئ الأكمه والأبرص.
أنشد أبو بكر بن عياش المحدث ويقال انهما له:
ان الكريم الذي تبقى مودته * ويكتم السر ان صافي وان حرما ليس الكريم الذي ان ذل صاحبه * أفشى وقال عليه كل ما علما وروى بسنده أنه دخل أبو بكر بن عياش على موسى بن عيسى وهو على الكوفة وعنده عبد الله بن مصعب الزبير وأدناه موسى ودعا له بتكاء فاتكا وبسط رجليه فقال الزبيري: من هذا الذي دخل ولم يستأذن؟ ثم اتكأته وبسطته قال هذا فقيه الفقهاء والرأس عند أهل المصر أبو بكر بن عياش قال الزبيري فلا كثير ولا طيب ولا مستحق لكل ما فعلته به فقال أبو بكر يا أيها الأمير من هذا الذي سال عني بجهل ثم تتابع في جهله بسوء قول وفعل فنسبه له فقال اسكت مسكتا فبأبيك غدر بيعتنا ويقول الزور خرجت أمنا وبابنه هدمت كعبتنا وبك أحرى ان يخرج الدجال فينا فضحك موسى حتى فحص برجليه وقال الزبيري انا والله أعلم انه يحوط أهلك وأباك ويتولاه ولكنك مشئوم على آبائك. وروى بسنده ان ابن المبارك كان يعظم الفضيل وأبا بكر بن عياش ولو كانا على غير تفضيل أبي بكر وعمر لم يعظمهما ثم روى عدة أخبار تدل على بعده عن التشيع لا نطيل بذكرها. ثم روى بسنده ان رجلا قال لأبي بكر بن عياش أ لا تحدث الناس قال حدثت الناس خمسين سنة ثم قال أبو بكر للرجل اقرأ قل هو الله أحد فقرأ ثم قال الثانية فقرأ حتى بلغ عشرين مرة فكان الرجل وجد في نفسه من ذلك فقال انا لا اضجر وقد حدثت الناس خمسين سنة وأنت في ساعة تضجر وروى بسنده عمن سمع أبا بكر بن عياش ينشد:
بلغت الثمانين أو جزتها * فما ذا أؤمل أو انتظر علتني السنون فأبلنني * ودقت عظامي وكل البصر أ ما في الثمانين من مولدي * ودون الثمانين ما يعتبر وبسنده قال قال أبو بكر بن عياش:
صرت من ضعفي كالثوب الخلق * طورا ير فيه وطورا أينفثق من صحب الدهر تقيا بالعلق احتمال تشيعه سيأتي انه روى عن الصادق أو الكاظم ع وأفتى بقوله ويمكن أن يكون رمز إلى التشيع بما مر عن معجم الأدباء من أنه لو أتاه الثلاثة في حاجة لبدأ بحاجة علي لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورمز إليه أيضا بتقديمه عليا على عثمان كما مر وصرح بتقديم الشيخين على علي ويمكن كونه مداراة لا سيما في مثل ذلك الزمان وكيف كان فتقديمه عليا على عثمان نوع من التشيع بل ربما يومي من طرف خفي إلى أنه كان يتهم بتفضيل علي على الشيخين قول من قال إن ابن المبارك كان يعظمه ولو كان على غير تفضيلهما لم يعظمه وربما يرشد إلى تشيعه كون جملة من مشائخه شيعة كعاصم بن بهدلة وأبي عبد الرحمن السلمي وأبي اسحق السبيعي والأعمش وغيرهم وجملة من تلاميذه شيعة كإسماعيل بن ابان الوراق وغيره وكونه من أهل الكوفة والغالب عليهم التشيع وربما يرشد إليه ما ذكره ابن أبي الحديد في