أولا، إلى عدم الانتباه إلى التسمية التي سماه بها معاصروه من أصدقائه وزملائه، وثانيا، لأن بعض المتأخرين رأوا مسكويه يسمي نفسه بشكل لا يمكن معه البت، لو لم نستدل بما دعاه معاصروه. فإننا نراه قد يسمي نفسه الأستاذ أحمد بن محمد مسكويه انظر التجارب 136 6 310 5 جاويدان خرد الحكمة الخالدة: 375، كما قد يسمى أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه أيضا جاويدان خرد ص 5، ورسالته إلى أبي حيان في ماهية العدل، ص 12.
فوقوع مسكويه تارة بعد اسم أبيه محمد، وتارة بعد اسم جده يعقوب، كان سبب الخطأ الذي شاع في ما بعد، في ضبط اسم مسكويه، فأوهم بعض الكتاب أن مسكويه لقب لأبيه، أو جده، فكتبوه: أحمد بن مسكويه، أو:
أحمد بن محمد بن مسكويه أو بشكل أغرب: أحمد بن محمد بن يعقوب بن مسكويه، بمعنى أن مسكويه أصبح لقبا لجد جده انظر الخوانساري، الروضات 1: 254، والطهراني، الذريعة 3: 347.
والحقيقة أنه عند ما يقال: أحمد مسكويه أو أحمد بن محمد مسكويه، أو أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه، فالقصد أن يجيء اللقب بعد أحمد أي بعد اسمه، فإذا ذكر الاسم وحده فاللقب يتلوه مباشرة. ولكن إذا ذكر الاسم مخصصا بذكر اسم الأب، فيجئ اللقب بعد ذكر الأب، وإذا كان هناك تخصيص آخر بذكر اسم الجد فيأتي اللقب بعد ذكر اسم الجد، وهكذا. لأن مسكويه ذاته لم يذكر اسمه متلوا باسم أبيه، أو جده دائما، بل نراه أحيانا يذكر لقبه بعد كنيته أبي علي فقط، ونراه يفعل ذلك بتكرار مشهود يبدد كل الشكوك بهذا الصدد، ففي شوامله على هوامل أبي حيان التي يبلغ عددها 175 مسالة، نراه يذكر اسمه في مستهل كل جواب بقوله: قال أبو علي مسكويه اللهم إلا في الإجابة الأولى، حيث يذكر اسمه متلوا باسم أبيه فيقول: قال أبو علي أحمد بن محمد مسكويه، أي لمرة واحدة فقط، وذلك لتخصيص اسمه باسم أبيه كما أشرنا إلى ذلك، فاحمد نفسه هو الملقب بمسكويه، وليس ابنا لمسكويه، أو سبطا له.
وأما المعاصرون لمسكويه 320 421 الذين سموه في كتبهم مسكويه فهم: أبو سليمان المنطقي 310 391 ه في صوان الحكمة: ص 321، وأبو حيان التوحيدي 320 414 ه في الامتاع: 1: 35، 136، 3: 227، وفي الصداقة والصديق: 67 68، وفي مثالب الوزيرين: 18 19، وفي المقابسات: 25 26، وأبو منصور الثعالبي 350 429 ه في تتمة اليتيمة 1: 96، وأبو بكر الخوارزمي... 382 ه في رسائله: 102. وأما بديع الزمان الهمذاني... 389 ه فنقل ضبطه ياقوت في معجم الأدباء حيث قال: وللبديع الهمذاني إلى أبي علي مسكويه على أن هناك طبعة غير محققة من رسائل البديع ص 100، 323 ورد فيها اسم مسكويه بصورة خاطئة هكذا:
أبو علي بن مشكويه فلو كان ضبط البديع كمصدر لياقوت مخالفا لضبط ياقوت، أو ضبط أبي حيان، أو ضبط ابن مندة، من الذين ذكرهم ياقوت في معجمه، لكان ياقوت ذكر الاختلاف.
وأما القدماء من غير معاصري مسكويه الذين سموه مسكويه أيضا فهم:
الروذراوري 437 488 ه في مقدمته على الذيل ص 8، وابن أبي أصيبعة 579 616 ه في عيون الأنباء الطبعات الثلاث ص 245، ص 246، ص 331، وياقوت في معجم الأدباء نشرة مرجوليوث ج 5: ص 5، 6، 10، 11، والصفدي 696 764 ه نقل كلام ياقوت بتمامه انظر مرجوليوث في نشرته لياقوت 5: 5 الحاشية. وقد صرح ياقوت بان مسكويه لقب لأحمد حيث ذكره في عنوان كلامه بقوله:
أحمد بن محمد بن يعقوب الملقب مسكويه برفع الملقب والحق مع مرجوليوث حيث ضبط الملقب بالرفع نعتا لأحمد لا ليعقوب، وذلك لأن مرجوليوث شاهد بوضوح أن ياقوت نفسه يكرر ذكر مسكويه في خمسة مواضع ناقلا عن معاصريه بلفظ مسكويه، فلم يتردد في ضبط الملقب بالرفع إذا كان الضبط منه وليس من مخطوطة معجم الأدباء، ونحن نعتبر ابن مندة أيضا من الذين ذكروا مسكويه، مسكويه حيث نرى ياقوت ينقل عنه بنفس الضبط.
ومن هؤلاء القدماء القفطي 564 646 ه في تاريخ الحكماء ص 331 ونصير الدين الطوسي 597 672 ه في أخلاق ناصري باللغة الفارسية ص 35، 36، وحاجي خليفة المتوفي 1067 ه في كشف الظنون، والسخاوي القرن التاسع في التوبيخ ص 39.
وأما في الموسوعات ودوائر المعارف، فهو مسكويه أيضا في: دائرة المعارف الاسلامية الطبعة الجديدة 1971، الإنجليزية والفرنسية انسحابا من الموقف في الطبعة القديمة، ففي تلك الطبعة ورد ابن مسكويه كما في الطبعة العربية والطبعة الفارسية دانشنامه إيران وإسلام، وهو مسكويه أيضا عند دهخدا في لغتنامه، وكذلك في دائرة المعارف للبستاني، كما صرح في أعيان الشيعة بقوله:
مسكويه لقب أحمد نفسه كما صرح به جماعة....
أما الدراسات المستقلة التي نشرت عن مسكويه، فهو في كلها مسكويه كما رأيت من عناوينها التي سبق أن ذكرناها.
ومن بين المستشرقين فان مرجوليوث أيضا صرح بقوله: إن مسكويه لقب له بالذات لا لأبيه وهذا يظهر بجلاء كثير من كلام معاصريه... انظر.
وكذلك برجشتر أيسر الذي أورد مواضع جاء فيها مسكويه بدون ابن انظر:. 65 674، كما أخبرنا الدكتور عزت عن مخطوطات رسائل مسكويه مجموعة راغب باشا جاء فيها ضبط مسكويه بالصورة الصحيحة.
أما ما ورد في مخطوطة كتاب تاريخ الحكماء للبيهقي انظر عزت: 146 أو في مخطوطة نزهة الأرواح للشهرزوري حيث جاء ابن مسكويه فهو اقتضا محرف خاطئ من صوان الحكمة لأبي سليمان، ونحن عرفنا ضبط أبي سليمان سواء في ما نقله عنه ياقوت، أو في الصوان نفسه في نشرة بدوي ص 321، 346. فهاتان المخطوطتان لا يمكن الاعتماد عليهما، ولعل أخطاء المتأخرين في ضبط اسم مسكويه إنما نشأ عنهما.
وإما ما جاء في مخطوطة ابن خلكان 608 681 ه الذي كتبه بخط يده المتحف البريطاني، الإضافات، رقم 25735، ورقة 10 ب والذي اعتمد عليه بروكلمن، الملحق 1: 582 رقم 1 وقال من المحتمل أن يكون مسكويه وأصله مشكويه لقب جده كما فعل أيمدروز.
فمردود ما دام مسكويه ومعاصروه الكبار يشهدون بخلافه.
فبذلك كله، وفي نهاية المطاف، فهو مسكويه، أي هو أبو على أحمد