مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٥
الإنسان من التاريخ، كأنه تجارب له، باشرها بنفسه، فأصبح خبيرا بالأمور التي لم يجربها فعلا في حياته، حتى إنه يعرفها بعد ذلك قبل وقوعها، فيستقبلها استقبال الخبر، فيفعل في علاجها الأنسب والأجدى، فيحل مشاكله، وينجح في مشاريعه نجاح الخبير الواعي.
بيد أن مسكويه لا حظ أن تلك الأخبار التاريخية الحقة مغمورة بالأسمار، متبددة في الخرافات والأساطير التي ليست لها فائدة إلا استجلاب النوم بها، والتأنس بالمستطرف منها. فأخذها بالنقد واستخراج ذات القيمة منها، وضرب صفحا عما لم يجد فيها قيمة تاريخية تجريبية وتركها وهو يرى أن للأحداث التاريخية الحقة أيضا أنس السمر الذي يوجد في الخرافات والأساطير. إن مسكويه لم يثق بروايات ما قبل الطوفان، لفقدانها القيمة التاريخية التي ينشدها هو، كما لم يجد في المعجزات تجربة إنسية يستطيع الجميع أن يمارسوا مثلها، أو يعتبروا بها، وهذا لا يعني أنه ترك ما كان للأنبياء من تدابيرهم البشرية التي ليست مقرونة بالاعجاز، لأن هذا النمط من أخبارهم وارد في صميم ما اهتم به مسكويه في كتابة التاريخ.
مع العلم بان لمسكويه كتابا في صفات الأنبياء السالفين تحت عنوان: أحوال الحكماء وصفات الأنبياء السالفين أنظر التصدير: الآثار. وهذا رد على المستشرق كزادي فو 106 في ما اتهمه به من أنه لم يحترم السنة. وأخيرا، عمد مسكويه إلى أحداث تجري على البخت والاتفاق، مما هو خارج عن نطاق تدبير الإنسان وقدرته، حتى تكون في حسبانه، ولا تسقط من ديوان الحوادث عنده، وما ينتظر وقوع مثله، وإن لم يستطع تحرزا من مكروهه.
إنه لن ينسى ما ضمنه في مقدمة الكتاب، بل نراه يؤكد هنا وهناك، وبمناسبات شتى، على أغراضه ويصر على المضي في النهج الذي نهجه لنفسه في عمله. فحينا نراه يبرر تركه ذكر بعض الأشياء بقوله: لخروجها عما بنينا عليه غرض هذا الكتاب 264 1 وحينا يؤكد على هذا الغرض حتى في عنوان حدث أراد ذكره، ففي عنوان الحديث عن الشورى يقول: ذكر ما يجب ذكره من حديث الشورى وما يليق منه بهذا الكتاب. وكذلك وبعد أن ينقل الحوار الذي جرى بين الإمام علي بن أبي طالب والزبير: الحوار الذي أثر في الزبير حتى أقسم أن لا يحارب عليا لولا وسوسة ابنه له واقتراحه التكفير عن اليمين بعتق غلام له، يقال له: مكحول وبعد إيراده هذا الحدث نراه يقول: وإنما حكينا هذه الحكاية لأن فيها تجربة تستفاد، وإن ذهب على قوم فانا ننبه عليه، وذلك أن المحنق ربما سكن بالكلام الصحيح، والساكن ربما أحنق بالزور من الكلام، وذلك بحسب تأتي من يريد ذلك، وإتيانه من وجهه. 550 1 ولا يهمه في ذلك شخصية القائل أو الفاعل، ولا ينظر إلى من قال أو فعل، بل يهمه مغزى ما قال أو فعل، من حيث تلاؤمه وأغراضه في كتابه تجارب الأمم. فنراه يستحسن موقفا من مواقف الضحاك الشهير بالسفك والقتل والظلم، وينقل كلاما منه حيث قال في الإجابة على أمه البذيئة: فلما هممت بالسطوة بهم أي: بكابي الأصبهاني وأصحابه عند ما زاروه للتأتي له واستعطافه 14 151 وقف الحق بيني وبينهم كالجبل، فحال بيني وبين ما أردت. ثم يعلق مسكويه على هذا الكلام بقوله: فهذا ما استحسن من فعل الضحاك وقوله ولا يعرف له شئ مستحسن غيره. إن هذا الالتزام الواعي الذي يبديه مسكويه تجاه منهجه، هو ما لا نراه عند كثير من المصنفين. فمسكويه، كما قال روزنتال 196، 197 يمثل مستوى عاليا في الكتابة التاريخية، فهو قلما يهتم بالأمور التافهة، بل يدرك كل ما له قيمة تاريخية جوهرية ويعرض الأحداث الهامة بشكل معقول متماسك.
إن المؤرخين المسلمين ومعظمهم ممن تأخر عن مسكويه وربما تأثر به بالذات نظروا إلى التاريخ من حيث هو درس وعظة وعبرة، ولكن مسكويه، السابق في هذا المضمار، هو المؤرخ الوحيد الذي نهج منهج الاستدلال الفلسفي مع ما كان له من نظرة أخلاقية عملية برغماتية إلى حوادث التاريخ زرياب: 118 بتصرف. إنك لا تجد بين المؤرخين المسلمين مؤرخا عمد إلى التاريخ عن وعي وجد، نشدانا للفوائد التي تنطوي عليها أحداثه، بالمستوى الذي عمد إليه مسكويه. إنه حكيم أخلاقي، ومصنف كتاب حكيم باسم تجارب الأمم. كما هو رائد في الكتابة العلمية للتاريخ، وأول من شق الطريق إلى فلسفة التاريخ، ليكون أسوة حسنة فيما بعد، لأمثال رشيد الدين فضل الله 645 718 ه في جامع التواريخ، وابن خلدون 732 806 ه في مقدمته، ثم الكافيجي القرن التاسع في كتابه: المختصر في علم التاريخ، والسخاوي 830 920 ه في كتابه: الاعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ زرين كوب: 71، 74 بتصرف. وهناك ميزة أخرى أشار إليها كيتاني في مقدمته حيث قال: إن الأثر الذي بقي لنا من مسكويه، بني على أساس منهج قريب جدا من المبادىء المتبعة عند مؤرخي العالم الغربي والمؤرخين المتأخرين، ومسكويه خلافا لسلفه الشهير الطبري الذي استهدف أساسا جمع المواد التاريخية، وعرضها على ترتيب تاريخي لائق، عزم على أن يصنف تاريخه كبناء عضوي يكون الفكر الأساسي المحدد عنصرا بناء في الكتاب بأسره، رابطا كل أجزاء التصنيف بعضها ببعض. يرى القارئ على صفحات هذا الكتاب عنصرا شخصيا لا يجده في المصنفات التاريخية الأخرى المؤلفة في تلك الحقبة.
إن تجارب الأمم وبصورة جلية عمل فكري نتج عن ذهن استدلالي بناء، يسوده انطباع سام من غرض المؤرخ وواجبه، وبهذا، يبدي مسكويه فضلا كبيرا على من سبقه أو عاصره من المؤرخين الذين كتبوا آثارهم باللغة العربية. إنه لا يرضيه مجرد جمع المادة التاريخية وعرضها في ترتيب تاريخي، لأنه يعتقد أن أحداث الماضي تترابط في ما بينها بشبكة من المصالح الإنسية. وفي الحقيقة، فان التاريخ كما يراه مسكويه ليس غير هذا، كما يرى العاقل في رواية التاريخ الحقه ينبوعا من العلم الثمين كيتاني، المقدمة:.
إن مسكويه لا يميل إلى أحد في كتابة التاريخ، ولا يحيد به عن المنهج القويم أي انتماء. لقد كتب تاريخه كما نبه عليه مرجوليوث أيضا في حياد تام، مع أنه عاش في خدمة الأمراء والوزراء البويهيين، وكان من المتوقع أن يشيد بهم ويمدحهم، ولا يتعرض لنقدهم أبدا، في حين نراه لم يمل إليهم في كتابة التاريخ، ولم يراع جانبهم في ما كتبه عنهم، بل يؤاخذهم على أشياء في سلوكهم وتدابيرهم.
مصادر مسكويه في كتابة التاريخ صرح مسكويه بأنه لما قرأ أخبار الأمم، وسير الملوك، وأخبار البلدان، وكتب التواريخ انظر المقدمة: ص 1 وجد فيها ما تستفاد منه تجربة...
وهذا دليل واضح على تعدد مصادره، في كتابة التاريخ. بيد أنه اعتمد اعتمادا كليا على الطبري 224 310 ه، كما اعتمد على المصادر الأخرى التي تتنوع وتختلف، حسب الفترات التاريخية التي أرخها في تصنيفه، وحسب مصادر كانت
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370