في متناولة، بحيث لا يمكن عدها وحصرها إلا بعد المصرح منها في الكتاب، وحصر غير المصرح منها بارجاع نقول مسكويه إلى أصولها وأصحابها، وهذا بتطلب دراسة مستقلة قد تأخذ وقتا طويلا. فمصادر مسكويه حسب هذه العجالة هي:
1 - تاريخ الطبري: عول مسكويه، أولا وقبل كل شئ. على الطبري.
وذلك بحذف كثير من مواد الطبري، من مكرره وما لم يدخل في إطار منهج مسكويه في كتابة تاريخه. فمسكويه يوازي الطبري ابتداء من العصر الفيشداذي وذكر أوشهنج بالذات، أو مما بعد الطوفان حسب تصريحه، إلى سنة 295 ه، مع العلم بان الطبري استمر في تاريخه حتى سنة 302 ه. ومسكويه ليس المؤرخ الوحيد الذي ينهل من مناهل الطبري ويعول عليه في تصنيفه. فمن هو الذي لم يعول على الطبري؟ فها هو ابن الأثير يصرح في مقدمته ص 3 قائلا:
فابتدأت بالتاريخ الكبير الذي صنفه الإمام أبو جعفر الطبري، إذ هو المعول عند العامة عليه، والمرجوع عند الاختلاف إليه. فأخذت ما فيه من جميع تراجمه، لم أخل بترجمة واحدة منها، وقد ذكر هو في أكثر الحوادث روايات ذات عدد، فقصدت أتم الروايات، وأضفت إليها من غيرها م ليس منها... فلما فرغت منه أخذت غيره من التواريخ المشهورة منها تجارب الأمم فطالعتها، وأضفت منها إلى ما نقلته من تاريخ الطبري ما ليس فيه....
هذه هي الحالة عند جل المؤرخين منهم ابن خلدون أيضا العبر 4: 1140. إنهم وجدوا تاريخ الطبري ينبوعا ثرا يتدفق منه ذلك الحجم الهائل من المواد التاريخية، والروايات المختلفة الكثيرة، التي أوردها فيه، دون نقد، أو تعديل، أو تعليق، واعيا عامدا ما يفعله، كما صرح به في مقدمته.
ولكن المؤرخين صاغوا ما أخذوه من الطبري في قوالب ارتضوها لتصانيفهم، كل على شاكلته. ومن هؤلاء مسكويه، الذي أخذ بدوره عن الطبري أخذ نقد واختيار وتعديل وتمحيص وحذف وإضافة من مصادر أخرى، وفقا لأغراضه التي تحدث عنها في مقدمة تجارب الأمم.
والجدير بالذكر أن هناك مناسبة خاصة بين مسكويه والطبري يمتاز بها مسكويه من بين سائر المؤرخين، حيث يعتبر مسكويه تلميذا غير مباشر للطبري في استماع تاريخه عن صاحبه، وقراءة كتابه عليه، والحصول على الإجازة منه. قال مسكويه بهذا الصدد انظر التجارب 243 6: وفيها أي في سنة 350 ه مات أبو بكر أحمد بن كامل القاضي، رحمه الله، ومنه سمعت كتاب التاريخ لأبي جعفر الطبري، وكان صاحب أبي جعفر، قد سمع منه شيئا كثيرا، ولكني ما سمعت منه عن أبي جعفر غير هذا الكتاب، بعضه قراءة عليه، وبعضه إجازة لي، وكان ينزل في شارع عبد الصمد، ولي معه اجتماع كثير.
2 - نفائس المكتبات: لم يكتف مسكويه بالطبري، حتى بالنسبة إلى القسم الذي قلنا إنه عول فيه عليه تعويلا كليا العصر الفيشداذي إلى سنة 295، بل أورد في تاريخه نصوصا إيرانية عديمة النظير لا نجدها لا عند الطبري ولا عند غيره من كبار المؤرخين من أمثال المسعودي وابن الأثير ومن إليهما، ونخص بالذكر عهد أردشير الذي يعتبر من أقدم النصوص الإيرانية المدونة التي وصلت إلينا، وكذلك السيرة الذاتية لأنوشروان، خطبته المشحونة، اللتين نقلهما مسكويه عن كتاب كتبه أنوشروان نفسه في سيرته.
من أين أتى مسكويه بهذه النصوص وغيرها مما تفرد بنقلها بين المؤرخين؟ إنه كان خازنا لمكتبات البويهيين من أمثال ابن العميد، وابنه أبي الفتح، وعضد الدولة. لقد دامت صحبته أو خزانته سبع سنين لابن العميد فقط 350 6 وكان لفهرس مكتبة ابن العميد 1056 ورقة 44 كراسة لكل منها 24 ورقة متز 1: 297 ولم يثبت في هذا الفهرس إلا أسماء الكتب، وقد اجتمعت في تلك المكتبة كل أنواع العلوم والحكم ولآداب، تحمل على مائة وقر وزيادة انظر التجارب:
286 6. وعن مكتبة عضد الدولة حكى لنا المقدسي الذي كان يختلف إليها، فلا جرم أنه زار مسكويه أيضا حيث قال عند وصفه لدار عضد الدولة بشيراز وغرفها وعجائبها:... وخزانة الكتب، عليها وكيل وخازن ومشرف من عدول البلد، ولم يبق كتاب صنف إلى وقته من أنواع العلوم كلها إلا وحصله فيها، وهي أزج طويل، في صفة كبيرة، فيه خزائن من كل وجه، وقد ألصق إلى جميع حيطان الأزج والخزائن بيوتا طولها قامة في عرض ثلاثة أذرع من الخشب المزوق عليها أبواب تنحدر من فوق، والدفاتر منضدة على الرفوف لكل نوع بيوت وفهرستات، فيها أسامي الكتب لا يدخلها إلا وجيه...
المقدسي: 449. فلا شك أن مسكويه استفاد من هذه المكتبات كثيرا من علمه والمواد التاريخية التي أوردها في كتابه مما لا يوجد عند سائر المؤرخين سواء ما أضافه في تاريخ ما قبل الاسلام مستمدا من مصادر إيرانية قديمة موجودة في تلك الخزانات، أو ما أضافه إلى تاريخ ما بعد الاسلام آخذا عن مصادر إسلامية كانت فيها.
3 - ثابت بن سنان: هناك فترة تاريخية تبدأ من سنة 295 إلى سنة 340 ه يعتمد مسكويه فيها على مصادر مستقلة عن الطبري، منها: تاريخ ثابت بن سنان المتوفي سنة 363 ه ابن ثابت بن قرة الصابي الحراني 221 288 ه خال أبي إسحاق هلال بن محسن الصابي. كتب ثابت بن سنان تاريخه ابتداء من خلافة المقتدر من سنة مائتين ونيف القفطي إلى سنة 360 ه. فكتب أبو إسحاق هلال بن محسن تتمة لتاريخ ثابت بن سنان وصلت إلى سنة 447 كلود كاهن، دانشنامه إيران وإسلام. ومن دلائل كونه مصدرا لمسكويه ما جاء في التجارب 371 5 حيث قال:... وحكى ثابت بن سنان في كتابه أن... فهذا تصريح من مسكويه أنه أخذ في تاريخ هذه الفترة عن ثابت بن سنان أيضا.
وهناك قول بكون أبي إسحاق هلال الصابي أيضا من مصادر مسكويه، لا يمكن الاطمئنان إليه. قال الروذراوري في الذيل ص 23: وعمل أبو إسحاق الكتاب الذي سماه: التاجي في الدولة الديلمية... وهو كتاب بديع الترصيف حسن التصنيف... ووجدنا آخره موافقا لآخر كتاب تجارب الأمم، حتى إن بعض الألفاظ تتشابه في خاتمتهما، وانتهى القولان في التاريخ بهما إلى أمد واحد، والكتاب موجود يغني تأمله عن الاخبار عنه. فكيف نطمئن إلى هذا القول ونحن نعلم أن أبا إسحاق الصابي كتب تاريخه حتى سنة 447 ه. في حين ان تجارب الأمم لا يتجاوز سنة 369 كما أقر به صاحب الذيل أيضا انظر الذيل، ص 8. وافتراض أن لتجارب الأمم أجزاء أخرى أيضا لم تصل إلينا وما هو موجود ناقص بالرغم من تصريح نجده في آخر الجزء السادس، فهذا الافتراض أيضا مردود. لأن مسكويه لم يعش بعد سنة 421 ه. اللهم إلا أن يكون الأمر قد اختلط للروذراوري، أو كان الذي قصده، هو ثابت بن سنان الصابي الذي وصل تاريخه إلى سنة 360 ه، أو إلى آخر حياته سنة 363 ه حسب قولين يذكران بصدد نهاية كتابه. بيد أن هذا أيضا غير مقبول، لأن