الأصفهاني، وأبي سعيد السيرافي وعلي بن عيسى الرماني، وأضرابهم من العلماء والأدباء والقضاة.
قد يكون هذا... وقد يكون ما وجده بعض هؤلاء في الاتجاه السياسي الذي سار عليه الوزير والآمال التي كانت تعقد عليه، والأماني التي كان يعتقد أنه خير من يستطيع تحقيقها سببا آخر في ذلك الالتفاف.
ولكن المهلبي لم يكن يندفع في علاقته تلك وراء العواطف ليقينه أن العاطفة سرعان ما تذهب، وتبقى وراءها حسرة لا تردها آهات السنين.
ولذلك فإنك تجده يبني معاملته على أساس من النفع العام، فأي من هؤلاء أكثر خدمة للناس فهو المقدم عنده والأثير لديه.
سأله مرة القاضي أبو الحسين محمد بن عبيد الله بن نصرويه عن سبب تفصيله لابن عبد الواحد على أبي تمام الزينبي عامليه على مناطق بالبصرة فقال المهلبي: يا أبا الحسين شتان بين الرجلين؟ دخل علي ابن عبد الواحد فرأيت أن أقصيه، بما عاملته من قلة الرفع والتقرب، فعرض علي أول رقعة، فاعتقدت أن أردها فلما قرأتها وجدتها لحاجة غيره، فاستحييت أن يكون أكرم مني، وقد بذل جاهه لمن سأله سؤالي مع ما يعلمه بماله عندي...
ثم توالت رقاعه، فوجدت جميعها في حوائج الناس. وقد دخل هذا يعني أبا تمام الزينبي، فعاملته من الاكرام بما رأيت لما بيني وبينه، فعرض رقاعه، فوجدت أولها في شئ يخصه، فوقعت له، وكلما عرض رقعة تطلبت أن يكون فيها شئ لغيره، فاقضيه له، وأجعل له محمدة عليه فما وجدت الجميع إلا له، وفيما يخصه فكرهت ذلك منه وانحط من عيني.
نقلنا النص على طوله لما فيه من دلالة على الأساس الذي يعامل به الوزير معاصريه.
وتبعا لذلك، فإنه لم يقتصر في علاقته بالنابهين من الأدباء والشعراء فقط، وإنما امتد تفقده إلى أولئك الذين لم يطمحوا بالوصول إلى الوزراء. فكان يكتب إلى أمثال هؤلاء شعرا أو نثرا بما يرفع نفسياتهم، ويعيد إلى اطمئنانهم أن مقاييس الرجال عنده ليست نباهة الذكر وعلو المنزلة، قال التنوخي وجدت بخط أبي محمد المهلبي، كتابا إلى أبي القاسم بن بلبل، وهو صغير الحال، وفيه:
طلع الفجر من كتابك عندي * فمتى باللقاء يبدو الصباح ذاك إن تم لي فقد عذب العيش * ونيل المنى وريش الجناح وقد احتل في نفوس هؤلاء الأدباء جميعا مكانا عليا وحظي بتقديرهم حتى إن منهم من أفرع لمديحه وأخباره صدرا من كتبه، كالتنوخي في نشوار المحاضرة، والصاحب بن عباد في الروزنامجة وأبي إسحاق الصابي وأبي الفرج الأصفهاني، فيما كتبا عنه.
وقد كانت موجة الاعجاب به تدفع بعض الشعراء إلى السرقة من غيرهم، فيما إذا قلت بضاعتهم أو لم تأت بالجودة المطلوبة، كما حدث للسري الرفاء مع الخالديين في ادعائه أنهما يعني الخالديين كانا يسرقان شعره ليمدحا به المهلبي.
ومثلها موجة الوفاء التي جعلت الحسين بن حجاج يرثيه، بعد وفاته في أحلك الظروف، إذ كان معز الدولة قد ألقى القبض على كل أتباع المهلبي وسجن زوجه وولده.
وفاته:
في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، يقود المهلبي عن غير رغبة جيشا كثيفا يريد به فتح عمان، ولما يبلغ القائد هدفه، إذ أنه أصيب بمرض أقعده عن مواصلة الزحف واشتدت علته فأعيد إلى بغداد، وفي جمادى الآخرة من السنة نفسها، توفي في طريقه إلى بغداد، وحمل جثمانه إليها، ودفن في مقابر قريش.
أدبه النثري والشعري:
لست متحدثا كثيرا عن نشاطه الأدبي، باستثناء هاتين الملاحظتين:
أولا: فيما يخص رسائله يبدو أنها لم تخرج عن الخط العام للرسائل في القرن الرابع الهجري، من حيث العناية بالسجع والازدواج، ومع أن الصفة الغالبة عليه هي الكتابة، فإنه لم يستطع أن يجدد في هذا الفن.
ثانيا: فيما يتعلق بشعره أقول: إن شعره كان قليلا، كما وصفه ابن النديم ولعله لا يزيد عما جمعناه له إلا قليلا.
وقد وصفه الناس وصفين متباينين، فقد كان بعض الأدباء إذا سمع قوله:
يا من له رتب ممكنة القواعد في فؤادي قال: هذا يصلح أن يكون شعر بناء.
في حين نجد آخرين ينعتونه بالجودة والبهاء.
وقد يكون في هذا المدح أو ذاك التعريض ما فيه من التحيز له أو عليه.
ولكنه شان أي إنسان امتلك ناصية القريض، يأتي بالغث مرة والسمين أخرى، ومهما يكن من أمر، فقد تمثلت في كل تلك المقطعات حياته التي عاش فيها الحرمان مرة والنعيم والترف أخرى.
ديوان شعره:
لم نجد فيما بين أيدينا من مصادر دراسته ما يشير إلى ديوانه باستثناء إشارة ابن النديم ولعل قلة شعره، وما اتسم به غالبه من جفاف، قد صرفت الأدباء عن العناية به، ومن ثم الإشارة إليه، على الرغم من عناية أهل ذلك العصر بتدوين الدواوين وجمع ما تناثر من شعر السابقين.
ولعل تلك كانت خاتمة النكبات التي مني بها المهلبي حيا وميتا وهي، أن لا يعثر له على أثر أدبي ليأخذ مكانه في الأدباء.
ولذلك فقد صح العزم على جمع ما تفرق، وتتبع ما تشتت من شعره عسى أن يكون في ذلك مساهمة مني في خدمة تراث أمتنا، أن وفقت فيها، فذلك بليغ رجائي. وإلا فحسبي ما انتفعت به من جهد، والله أسال أن يأخذ بيد العاملين.
حرف الهمزة (1) 1 - يا عارفا بالداء مطرح السؤال * عن الدواء 2 - العلم عندي كالغذاء * فهل تعيش بلا غذاء