علي، ومات الحسن بن علي، ومات زياد بن أبيه، وولي عبيد الله بن زياد البصرة والكوفة من قبل يزيد بن معاوية، فأنف عبيد الله بن الحر أن يناله القوم بسوء، فخرج عن الكوفة فنزل بقصر بني مقاتل بن سليمان الحميري، فلم يزل هنالك مقيما إلى أن قتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وإلى أن وافى الحسين بن علي فنزل بقصر بني مقاتل ثم بعث إلى ابن الحر يسأله النصرة فأبى عليه، فتركه الحسين ومضى إلى كربلاء فقتل هنالك، وبلغ ذلك ابن الحر فندم على تركه الحسين ندامة شديدة، وقال في ذلك أبياتا (1).
ثم أقبل ابن الحر حتى دخل الكوفة بعد مقتل الحسين بثلاثة أيام، وبها يومئذ عبيد الله بن زياد فهو يفتقد أشراف الناس إذا دخلوا عليه فلا يرى فيهم عبيد الله بن الحر، فلما دخل ونظر إليه ابن زياد وقال: أين كنت يا بن الحر؟ قال: كنت مريضا أصلح الله الأمير، فقال: مريض القلب أم مريض الجسد، فقال ابن الحر: أما قلبي فإنه لم يمرض قط والحمد لله، وأما جسدي فقد كان مريضا وقد من الله علي بالعافية فقال: أبطلت يا بن الحر! ما كنت مع عدونا الحسين بن علي؟ فقال: إني لو كنت مع الحسين لم يخف عليك مكاني أيها الأمير! فقال ابن زياد: أما معنا فلم تكن، فقال: صدقت أيها الأمير لا أكون معك ولا عليك. قال ابن زياد: وما منعك من نصرة أمير المؤمنين يزيد؟ فقال منعني من ذلك قول الله تعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار.: فغضب ابن زياد وهم بقتل عبيد الله بن الحر في ذلك الوقت، ثم إنه خاف أن يشوش عليه أهل الكوفة فسكت، وخرج عبيد الله بن الحر فصار إلى منزله ثم جمع أصحابه وخرج من الكوفة ليلا ومعه أصحابه وبنو عمه، وطلبه عبيد الله بن زياد لكي يرضيه ويعتذر إليه فلم يظفر به.
ومضى عبيد الله بن الحر نحو السواد، وجعل يقول أبياتا مطلعها:
يقول أمير غادر وابن غادر * ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة (2) إلى آخرها. ثم جعل عبيد الله بن الحر يغير على أطراف السواد وأصحابه، ويفعل ما يفعل، وليس أحد يطلبه إلى أن مات معاوية، وإلى أن مات مروان بن الحكم، وإلى أن مات عبد الملك بن مروان، وإلى أن قتل سليمان بن صرد وأصحابه بعين الوردة، وإلى أن صار المختار بن أبي عبيد إلى الكوفة وبايعه من أهلها من بايع، وبلغ ذلك ابن الحر فاقبل حتى دخل الكوفة، ثم صار إلى المختار فبايعه ونصره في حروبه: الأول، وفي جبانة السبيع، ثم خرج مع إبراهيم بن الأشتر، فلما صار معه إلى تكريت وكان منه إليه ما كان عزم على مخالفته ومخالفة المختار، فهذا أول خبره.
ثم أرسل إلى وجوه أهل العسكر فاختدعهم ثم مناهم ووعدهم الغنائم، ثم قال: ما تصنعون بمحاربة عبيد الله بن زياد وأنتم لا تدرون ما يكون الأمر غدا، اتبعوني فاني أغنيكم وأغني عاقبتكم من بعدكم. فأجابوه إلى ذلك.
فخرج بهم من العسكر في جوف الليل، الواحد بعد الواحد، والاثنين بعد الاثنين، والثلاثة بعد الثلاثة، حتى اجتمع ثلاثمائة رجل، فسار بهم عبيد الله بن الحر، فما أصبح إلا على عشرين فرسخا من تكريت، ثم أنشأ يقول أبياتا مطلعها:
عجبت سليمى أن رأتني ساحبا * خلق القميص بساعدي خدوش إلى آخرها. وأصبح ابن الأشتر وقد فقد عبيد الله بن الحر، فاغتم لذلك ولم يدر أي طريق سلك وظن أنه قد مضى مستأمنا إلى عبيد الله بن زياد.
وجعل ابن الحر لا يمر ببلد إلا أغار على أهله حتى جمع مالا عظيما، قال لأصحابه: أقسموا هذا المال بينكم، فلا حاجة لي إلى شئ منه. فاقتسموا ذلك المال بقلنسوة رجل منهم، فأنشأ ابن الحر يقول أبياتا مطلعها:
أنا الحر وابن الحر يحمل منكبي * طوال الهوادي مشرفات الحوارك إلى آخرها. قال: وجعل كل من كان مبغضا للمختار يصير إلى عبيد الله بن الحر، حتى صار ابن الحر في خمسمائة فارس، وبلغ ذلك إبراهيم بن الأشتر فكتب إلى المختار يعلمه بذلك وقد كان ابن الأشتر أعرف به مني، ولكني لم أقبل منه.
وأقبل ابن الحر حتى صار إلى هيت وبها يومئذ نائب المختار، فكبسها ابن الحر وقتل نائبها وأخذ أموالها. ثم سار إلى الأنبار وبها يومئذ نائب للمختار، فكبسها وقتل نائبها، واحتوى على بيت المال فأصاب فيه مالا جزيلا. فقال لأصحابه: اقتسموا هذا المال بينكم! قال: فاقتسموه ثم أنشأ ابن الحر يقول أبياتا مطلعها:
أنا الحر وابن الحر يحمل منكبي * شديد القصيري في العباد رحيل إلى آخرها. وبلغ ذلك المختار فضاقت عليه الأرض بما رحبت، ولم يدر ما يصنع، والمختار يومئذ بين جمرتين: جمرة عن يمنه مصعب بن الزبير يومئذ بالبصرة، والجمرة العظمى عبيد الله بن زياد بالموصل في ثلاث وثمانين ألفا.
قال: فدعا المختار برجل من ثقاته يقال له عبيد الله بن كامل الهمداني، فقال له: اركب الساعة في مائة رجل من أصحابك، وصر إلى دار عبيد الله بن الحر فاهدمها، وخذ امرأته فضعها في السجن. فسار عبيد الله بن كامل إلى دار ابن الحر فهدمها، ولم يمنعه مانع خوفا من المختار، وأخذ امرأته ويقال لها أم توبة، واسمها سلمى بنت خالد الجعفية فحبسها. وبلغ ذلك عبيد الله بن الحر، فقال لأصحابه: أبلغكم ما صنع المختار، إنه هدم داري وحبس أهلي في السجن، فقالوا: قد بلغنا فأمرنا بأمرك فقال: لا تعجلوا وأنشأ يقول:
ألم تعلمي يا أم توبة أنني * على حدثان الدهر غير بليد أشد حيازيمي لكل كريهة * وأني على ما نالني لجليد هم هدموا داري وساقوا حليلتي * إلى سجنهم والمسلمون شهودي وهم أعجلوها أن تشد خمارها * فيا عجبا عل الزمان مقيدي فلست بابن الحر إن لم أرعهم * تعادي بالكماة اسود وإن لم أصبح شاكرا بكتيبة * فعالجت بالكفين غل حديدي ثم جمع أصحابه وسار بهم نحو الكوفة حتى كبسها غلسا والناس في الصلاة، فلم يكذب أن أقبل إلى باب السجن فكسره وأخرج امرأته عنوة وكل من كان في السجن من النساء.
ووقعت الضجة في الكوفة بان عبيد الله بن الحر قد كبس السجن وأخرج امرأته، ففزع الناس وبلغ ذلك المختار فوجه إليه بعبد الله بن كامل الهمداني