نشاة الشاعر في الجبيل مسقط رأسه ومسكن أسرته، وفيها أخذ أوائل تحصيله العلمي على يد والده الشيخ حسين، ثم انتقل إلى النجف الأشرف وهناك حضر بحث السيد ناصر الأحسائي.
كان المترجم أحد فضلاء الأحساء، وهو بالإضافة إلى فضيلته العلمية كان شاعرا متفوقا كما ذكرنا، ويمتاز أيضا بقوة الجدل والمناظرة، خصوصا في علمي النحو والمنطق، كما أن له يدا في علم الفلك.
وافى شاعرنا الأجل في الأحساء ليلة الجمعة في 12 رجب سنة 1375 ه، وقد رثاه جماعة من الأدباء الشعراء، منهم الشيخ ملا كاظم بن مطر، قال:
جر ما بدا لك أيها الزمن * فالأمر يدرك سره الفطن نمسي ونصبح منك في دجن * الارهاق ما برحت بنا الدجن لين الأفاعي منك نلمسه * ولأنت أنت المركب الخشن صوب الكوارث منك عارضه * أبدا على أحرارها هتن لو كنت تنطق أيها الزمن * لأجبت من في حبك افتتنوا والظرف يكرم إن يكن حسنا * مظروفه والعكس يمتهن وعلى الكرام أغرت مقتنصا * عبد الكريم فطرفهم سخن أهل الجبيل ثكلتم جبلا * في ظله العافون كم قطنوا بمعينه وراده نهلوا * وبكهفه رواده أمنوا وانهار عنكم لا فحسب فقد * جزعت قرى وتزعزعت مدن إن أوحشت منه مساجده * فله حشى عمارها وطن لقد ضاع أكثر شعره شانه شان غيره من شعراء هذه المنطقة للظروف القاسية التي مرت بها، ولعدم وجود من يهتم لمثل هذا التراث إلا ما قل، والذي وقفنا عليه من شعره هو ما جمعه أحد أقرباء الشاعر وهو الحاج الملا طاهر البحراني، وكان الدافع له هو تذوقه للشعر باعتبار وظيفته وهي الخطابة الحسينية، حيث اعتاد خطباء المنبر الحسيني على حفظ الشعر فقد تيسر للخطيب الملا طاهر البحراني أن يجمع بعض ما وصل إليه أو وقف عليه من شعر الشاعر، وهو مصدرنا الوحيد في ما سنذكره من شواهد شعرية للشاعر، فهذه قصيدة يرثي بها الشاعر الإمام الحسين ع ويشيد فيها بمواقف أصحابه من شهداء كربلاء، ويظهر أنه قد ضاع أكثرها، قال:
سل غالبا ما بال غلب كماتها * ذلت وليس الذل من عاداتها ما للضياغم من بني عمر والعلى * قعدت فناح الضيم في ساحاتها هل كيف تضرع خدها لطليقها * وهي التي ما أضرعت لعداتها أترى عراها الجبن حاشا عصبة * ما عصبت بسوى اللوا جبهاتها ما عذرهم لا شب منهم ناشئ * إن لم يشبوا في الوغى شعلاتها وسمت أمية أنفها في مرفق * سمة العبيد به على ساداتها حشدت به أبناء حرب جندها * وعلى ابن أحمد ضيقت فلواتها فهناك صاح بصحبة فتنادبت * وتواثبت كالأسد من غاباتها وتمايلت شوقا إلى ورد الردى * بحشاشة أورى الظما قبساتها صفقت لهم سمر الرماح وغنت البيض * الصفاح فرجعت نغماتها عشقت نفوسهم الهياج كأنما * هي غادة تختال في جلواتها عقدت على البين النكاح وطلقت * دون ابن بنت محمد لذاتها من فوق خيل كالنعام تخالهم * أشد العرين تسنموا صهواتها غلب كماة لو يغالبها القضا * لقضى عليه الحتف لدن قناتها وقال مشطرا هذين البيتين لغيره في وقوف نساء الحسين ع أمام يزيد بن معاوية في مجلسه:
أترضى وأنت الثاقب العزم غيرة * حرائركم تستامهن عبيد مربقة الأعناق في مجلس به * يلاحظها حسرى القناع يزيد يسب أبوها عند سلب قناعها * ويبتز منها أسور وعقود يطاف بها الآفاق فوق هوازل * ولا ستر إلا ساعد وزنود وقال أيضا مشطرا والأصل لغيره:
همت لتقضي من توديعه وطرا * غداة أمت بها الأظعان مصرعه فمذ رأته على جثمانه وقعت * وقد أبى سوط شمر أن تودعه ففارقته ولكن رأسه معها * كالبدر كان القنا الخطي مطلعه بالرغم منها سرت عنه مفارقة * وغاب عنها ولكن قلبها معه وقال هذه القصيدة يذكر فيها أهل البيت ع ويختمها بمصيبة الزهراء س منها قوله:
أيها الغافل لا نلت نجاحا * خالف النفس ودع عنك الملاحا وأفق من سكرة الغي ولا * تحسبن الجد من قولي مزاحا كم تمادى في الهوى لا ترعوي * وغراب البين يدعوك الرواحا كيف لا تقلع عن معصية * ونذير الشيب في المفرق لاحا آذنت فيك الليالي بالفنا * ودنا الموت مساء أو صباحا أنت من فوق مطى الأيام والفلك * الأطلس يحدوك لحاحا فاتخذ زادا من التقوى وكن * خافضا لله من ذل جناحا معرضا عن زهرة الدنيا فهل * لفتى يغتر في الدنيا فلاحا (1) إنها دار غرور طبعها الغدر * والمكر فبعدا وانتزاحا أو لم تسمع بما قد صنعت * ببني أحمد لم تخش افتضاحا شتتهم فرقا واجترحت * سيئات تملأ القلب جراحا صوبت فيهم سهاما لم تصب غير * قلب الدين واستلت صفاحا أظهرت أبناؤها ما أضمرت * واستباحوا كل ما ليس مباحا وقال مؤرخا هدم قبور البقيع لأئمة أهل البيت ع:
لعمرك ما شاقني ربرب * طفقت لتذكاره أنحب ولا سح من مقلتي العقيق... * على جيرة فيه قد طنبوا ولكن شجاني وفت الحشا * أعاجيب دهر بنا يلعب وحسبك من ذاك هدم القباب * فذلك عن جوره يعرب قباب برغم العلى هدمت * وهيهات ثاراتها تذهب إلى م معاشر أهل الإبا * يصول على الأسد الثعلب لئن صعب الأمر في دركها * فترك الطلاب بها أصعب أليس كما قال تاريخه * بتهديمها انهدم المذهب