بأفعال المكلفين المبرزتين بالخطاب، وحيث كان موطن الإرادة والكراهة - كغيرهما من الأمور النفسية، كالحب والبغض - ليس هو الخارج بل الذهن، امتنع اشتراطهما بالأمور الخارجية، ولزم كون الشرط لهما هو لحاظ الموضوع والشرط، لان مبادي وجود كل شئ من سنخ وجوده، فإن كان ذهنيا كانت ذهنية، وإن كان خارجيا كانت خارجية.
وحيث كان لحاظ الشرط والموضوع فعليا كان الحكم فعليا، غايته أن إناطته بلحاظ الشرط والموضوع موجبة لعدم محركيته عقلا إلا بفعليتهما في الخارج، فالوجود الخارجي ليس شرطا في فعلية الحكم بل في محركيته عقلا، كالعلم به.
وقد تعرض لذلك في الجملة في مبحث الاستصحاب التعليقي، وخصه بالأحكام التكليفية، لبنائه على انتزاعها من الإرادة والكراهة التشريعيتين، وليست من الجعليات الاعتبارية.
أما الأحكام الوضعية المتقومة بالجعل والاعتبار فلا مانع من دعوى إناطتها بوجود الموضوع خارجا، على غرار القضايا الحقيقية، فلا تكون فعلية إلا في ظرف فعلية موضوعاتها، ولابد من توجيه الاستصحاب التعليقي فيها من طريق آخر، وقد اعتمد فيها على الوجه السابق، الذي عرفت حاله.
أقول: حديث السنخية إنما يقتضي كون إرادة المولى الحاصلة حين الخطاب بالكبرى مسببة تكوينا عن لحاظ الموضوع، كما هي مسببة عن لحاظ الملاك والمصلحة الداعية للخطاب ونحو ذلك من متعلق التكليف وغيره، وهو الحال في الأحكام الوضعية الجعلية، لأن الاعتبار لما كان مبنيا على الادعاء الذي هو أمر ذهني، فهو مسبب تكوينا عما هو من سنخه من لحاظ الموضوع والمصلحة ونحوهما، فلا وجه للفرق بين الأحكام التكليفية والوضعية من هذه الجهة.