نعم، لو جرى الاستصحاب في نفس الاقتضاء كان حاكما على الاستصحاب المذكور في المثال الثاني، لأنه سببي بالإضافة إليه، دون المثال الأول، لان الاقتضاء بنفسه لا يستلزم فعلية المعلول فيه إلا بضميمة عدم المانع، والمفروض سبق اليقين بوجوده.
كما أنه بناء على جريان الاستصحاب التعليقي، أو استصحاب عدم بلوغ سن اليأس، يمكن الرجوع إليهما في المثال الثاني أيضا، لان الدم كان لو خرج يحكم عليه بالحيضية، والمرأة لم تكن في سن اليأس.
إلا أن استصحاب الاقتضاء مثبت، لان الأثر للمقتضي - وهو الحيض - وترتبه على الاقتضاء خارجي لا شرعي. والاستصحابان الأخيران خارجان عن محل الكلام. فما ذكره قدس سره غير ظاهر الوجه، وإن لم يظهر منه الجزم به.
وأما الصورة الثالثة فقد منع شيخنا الأعظم قدس سره من جريان الاستصحاب فيها ووافقه بعض الأعاظم قدس سره بدعوى: أن اختلاف المقتضي يوجب تعدد الوجود والفرد عرفا، فيمتنع الاستصحاب، لأنه يكون من الصورة الأولى للقسم الثالث لاستصحاب الكلي.
ويشكل: بأن المعيار في الوحدة ليس إلا على اتصال الاجزاء وتعاقبها بالنحو الخاص، واختلاف المقتضي لا أثر له في تعدد الوجود ولا يمنع من صدق البقاء، كما لا يمنع منه في الأمور القارة، فالبناء على جريان الاستصحاب متعين.
وأما استصحاب عدم حدوث المقتضي الاخر - الذي يحكى عن بعضهم التمسك به في المقام - فهو إنما يحكم على الاستصحاب المذكور لو كان الترتب بين المقتضي والمقتضى شرعيا، حيث يكون من صغريات حكومة الأصل السببي على المسببي، أما لو لم يكن شرعيا كان الأصل مثبتا ليس بحجة كي يصلح للحكومة.