في تفسيره. قال: ومما يدل على صحة هذا القول قوله تعالى - أفلا يتدبرون القرآن - والتدبر لا يتصور بدون الوقوف على المعنى، وكذا قوله - أقم الصلاة لذكرى - والغفلة تضاد الذكر، ولهذا قال - ولا تكن من الغافلين - وقوله - حتى تعلموا ما تقولون - نهى للسكران والمستغرق في هموم الدنيا بمنزلته. واللغو، قال الزجاج: هو كل باطل ولهو وهزل ومعصية وما لا يجمل من القول والفعل، وقد تقدم تفسيره في البقرة. وقال الضحاك: إن اللغو هنا الشرك. وقال الحسن: إنه المعاصي كلها. ومعنى إعراضهم عنه: تجنبهم له وعدم التفاتهم إليه، وظاهره اتصافهم بصفة الإعراض عن اللغو في كل الأوقات، فيدخل وقت الصلاة في ذلك دخولا أوليا كما تفيده الجملة الاسمية، وبناء الحكم على الضمير، ومعنى فعلهم للزكاة تأديتهم لها، فعبر عن التأدية بالفعل لأنها مما يصدق عليه الفعل، والمراد بالزكاة هنا المصدر لأنه الصادر عن الفاعل. وقيل يجوز أن يراد بها العين على تقدير مضاف: أي (والذين هم) لتأدية (الزكاة فاعلون. والذين هم لفروجهم حافظون) الفرج يطلق على فرج الرجل والمرأة، ومعنى حفظهم لها أنهم ممسكون لها بالعفاف عما لا يحل لهم. قيل والمواد هنا الرجال خاصة دون النساء بدليل قوله (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) للإجماع على أنه لا يحل للمرأة أن يطأها من تملكه. قال الفراء: إن على في قوله (إلا على أزواجهم) بمعنى من. وقال الزجاج: المعنى أنهم يلامون في إطلاق ما حظر عليهم فأمروا بحفظه إلا على أزواجهم ودل على المحذوف ذكر اللوم في آخر الآية، والجملة في محل نصب على الحال، وقيل إن الاستثناء من نفي الإرسال المفهوم من الحفظ: أي لا يرسلونها على أحد إلا على أزواجهم. وقيل المعنى: إلا والين على أزواجهم وقوامين عليهم، من قولهم كان فلان على فلانة فمات عنها فخلف عليها فلان. والمعنى: أنهم لفروجهم حافظون في جميع الأحوال إلا في حال تزوجهم أو تسريهم، وجملة (أو ما ملكت أيمانهم) في محل جر عطفا على أزواجهم، وما مصدرية، والمراد بذلك الإماء، وعبر عنهن بما التي لغير العقلاء، لأنه اجتمع فيهن الأنوثة المنبئة عن قصور العقل وجواز البيع والشراء فيهن كسائر السلع، فأجراهن بهذين الأمرين مجرى غير العقلاء، وجملة (فإنهم غير ملومين) تعليل لما تقدم مما لا يجب عليهم حفظ فروجهم منه (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) الإشارة إلى الزوجات وملك اليمين، ومعنى العادون: المجاوزون إلى ما لا يحل لهم، فسمى سبحانه من نكح ما لا يحل عاديا، ووراء هنا بمعنى سوى وهو مفعول ابتغى. قال الزجاج: أي فمن ابتغى ما بعد ذلك فمفعول الابتغاء محذوف، ووراء ظرف.
وقد دلت هذه الآية على تحريم نكاح المتعة، واستدل بها بعض أهل العلم على تحريم الاستمناء لأنه من الوراء لما ذكر، وقد جمعنا في ذلك رسالة سميناها (بلوغ المنى في حكم الاستمنا)، وذكرنا فيها أدلة المنع والجواز وترجيح الراجح منهما (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) قرأ الجمهور " لأماناتهم " بالجمع. وقرأ ابن كثير بالإفراد. والأمانة ما يؤتمنون عليه، والعهد ما يعاهدون عليه من جهة الله سبحانه أو جهة عباده، وقد جمع العهد والأمانة كل ما يتحمله الإنسان من أمر الدين والدنيا، والأمانة أعم من العهد، فكل عهد أمانة، ومعنى راعون:
حافظون (والذين هم على صلواتهم يحافظون) قرأ الجمهور " صلواتهم " بالجمع. وقرأ حمزة والكسائي " صلاتهم " بالإفراد، ومن قرأ بالإفراد فقد أراد اسم الجنس وهو في معنى الجمع والمحافظة على الصلاة إقامتها والمحافظة عليها في أوقاتها وإتمام ركوعها وسجودها وقراءتها والمشروع من أذكارها. ثم مدح سبحانه هؤلاء فقال (أولئك هم الوارثون) أي الأحقاء بأن يسموا بهذا الاسم دون غيرهم. ثم بين الموروث بقوله (الذين يرثون الفردوس) وهو أوسط الجنة، كما صح تفسيره بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والمعنى: أن من عمل بما ذكر في هذه