وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال: القانع الذي يسأل، والمعتر الذي يتعرض، ولا يسأل. وقد روى عن التابعين في تفسير هذه الآية أقوال مختلفة، والمرجع المعنى اللغوي لا سيما مع الاختلاف بين الصحابة ومن بعدهم في تفسير ذلك. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان المشركون إذا ذبحوا استقبلوا الكعبة بالدماء فينضحون بها نحو الكعبة، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك، فأنزل الله (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها). وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج نحوه.
سورة الحج الآية (38 - 41) قرأ أبو عمرو وابن كثير " يدفع " وقرأ الباقون يدافع وصيغة المفاعلة هنا مجردة عن معناها الأصلي، وهو وقوع الفعل من الجانبين كما تدل عليه القراءة الأخرى. وقد ترد هذه الصيغة ولا يراد بها معناها الأصلي كثيرا مثل عاقبت اللص ونحو ذلك، وقد قدمنا تحقيقه. وقيل إن إيراد هذه الصيغة هنا للمبالغة وقيل للدلالة على تكرر الواقع.
والمعنى: يدافع عن المؤمنين غوائل المشركين وقيل يعلى حجتهم وقيل يوفقهم والجملة مستأنفة لبيان هذه المزية الحاصلة للمؤمنين من رب العالمين، وأنه المتولي للمدافعة عنهم، وجملة (إن الله لا يحب كل خوان كفور) مقررة لمضمون الجملة الأولى، فإن المدافعة من الله لهم عن عباده المؤمنين مشعرة أتم إشعار بأنهم مبغضون إلى الله غير محبوبين له. قال الزجاج: من ذكر غير اسم الله وتقرب إلى الأصنام بذبيحته فهو خوان كفور، وإيراد صيغتي المبالغة للدلالة على أنهم كذلك في الواقع لا لإخراج من خان دون خيانتهم، أو كفر دون كفرهم (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) قرئ " أذن " مبنيا للفاعل ومبنيا للمفعول وكذلك يقاتلون، قرئ مبنيا للفاعل ومبنيا للمفعول، وعلى كلا القراءتين فالإذن من الله سبحانه لعباده المؤمنين بأنهم إذا صلحوا للقتال، أو قاتلهم المشركون قاتلوهم. قال المفسرون: كان مشركو مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بألسنتهم وأيديهم، فيشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول لهم: " اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر " فأنزل الله سبحانه هذه الآية بالمدينة، وهى أول آية نزلت في القتال. وهذه الآية مقررة أيضا لمضمون قوله (إن الله يدافع) فإن إباحة القتال لهم هي من جملة دفع الله عنهم، والباء في " بأنهم ظلموا " للسببية: أي بسبب أنهم ظلموا بما كان يقع عليهم من المشركين من سب وضرب وطرد، ثم وعدهم سبحانه النصر على المشركين. فقال (وإن الله على نصرهم لقدير) وفيه تأكيد لما مر من المدافعة أيضا. ثم وصف هؤلاء المؤمنين بقوله (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق) ويجوز أن يكون بدلا من الذين يقاتلون، أو في محل نصب على المدح، أو محل رفع بإضمار