ويجوز أن يراد أن هذا النوع من الملبوس الذي كان محرما عليهم في الدنيا حلال لهم في الآخرة، وأنه من جملة ما يلبسونه فيها، ففيها ما تشتهيه الأنفس، وكل واحد منهم يعطى ما تشتهيه نفسه وينال ما يريده (وهدوا إلى الطيب من القول) أي أرشدوا إليه، قيل هو لا إله إلا الله وقيل الحمد لله، وقيل القرآن، وقيل هو ما يأتيهم من الله سبحانه من البشارات. وقد ورد في القرآن ما يدل على هذا القول المجمل هنا، وهو قوله سبحانه - الحمد لله الذي صدقنا وعده - الحمد لله الذي هدانا لهذا - الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن - ومعنى (وهدوا إلى صراط الحميد) أنهم أرشدوا إلى الصراط المحمود وهو طريق الجنة، أو صراط الله الذي هو دينه القويم، وهو الإسلام.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (والصابئين) قال: هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون القبلة، ويقرؤون الزبور (والمجوس) عبدة الشمس والقمر والنيران، (والذين أشركوا) عبدة الأوثان (إن الله يفصل بينهم) قال: الأديان ستة، فخمسة للشيطان، ودين الله عز وجل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال: فصل قضاءه بينهم فجعل الخمسة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: الذين هادوا: اليهود، والصابئون: ليس لهم كتاب، والمجوس: أصحاب الأصنام والمشركون: نصارى العرب. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذر أنه كان يقسم قسما أن هذه الآية (هذان خصمان) الآية نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر، وهم حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث، وعلي بن أبي طالب وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، قال علي: وأنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة. وأخرجه البخاري وغيره من حديث علي. وأخرجه ابن مردويه عن بن عباس بنحوه، وهكذا روى عن جماعة من التابعين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله (قطعت لهم ثياب من نار) قال: من نحاس، وليس من الآنية شئ إذا حمى أشد حرا منه، وفى قوله (يصب من فوق رؤوسهم الحميم) قال: النحاس يذاب على رؤوسهم، وقوله (يصهر به ما في بطونهم) قال: تسيل أمعاؤهم (والجلود) قال: تتناثر جلودهم. وأخرج عبد بن حميد والترمذي وصححه وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه عن أبي هريرة أنه تلا هذه الآية (يصب من فوق رؤوسهم الحميم) فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان ". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (يصهر به ما في بطونهم) قال: يمشون وأمعاءهم تتساقط وجلودهم. وفى قوله (ولهم مقامع من حديد) قال: يضربون بها، فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالويل والثبور. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها والجلود مع البطون. وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " لو أن مقمعا من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض، ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان ".
وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن سلمان قال: النار سوداء مظلمة لا يضئ لهبها ولا جمرها، ثم قرأ (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها). وفى الصحيحين وغيرهما عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " وفى الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن