سورة الحج الآية (36 - 37) قرأ ابن أبي إسحاق (والبدن) بضم الباء والدال، وقرأ الباقون بإسكان الدال وهما لغتان، وهذا الاسم خاص بالإبل، وسميت بدنة لأنه تبدن، والبدانة: السمن. وقال أبو حنيفة ومالك: إنه يطلق على غير الإبل، والأول أولى لما سيأتي من الأوصاف التي هي ظاهرة في الإبل، ولما تفيده كتب اللغة من اختصاص هذا الاسم بالإبل.
وقال ابن كثير في تفسيره: واختلفوا في صحة إطلاق البدنة على البقرة على قولين: أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعا كما صح في الحديث (جعلناها لكم) وهى ما تقدم بيانه قريبا (لكم فيها خير) أي منافع دينية ودنيوية كما تقدم (فاذكروا اسم الله عليها) أي على نحرها ومعنى (صواف) أنها قائمة قد صفت قوائمها، لأنها تنحر قائمة معقولة، وأصل هذا الوصف في الخيل يقال: صفن الفرس فهو صافن إذا قام على ثلاث قوائم وثنى الرابعة. وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد وزيد بن أسلم وأبو موسى الأشعري " صوافي " أي خوالص لله لا تشركون به في التسمية على نحرها أحدا، وواحد صواف صافة، وهى قراءة الجمهور: وواحد صوافي صافية، وقرأ ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبو جعفر ومحمد بن علي " صوافن " بالنون جمع صافنة، والصافنة هي التي قد رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب، ومنه قوله تعالى " الصافنات الجياد "، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
تركنا الخيل عاكفة عليه * مقلدة أعنتها صفونا وقال الآخر:
ألف الصفون فما يزال كأنه * مما يقوم على الثلاث كسير (فإذا وجبت جنوبها) الوجوب السقوط: أي فإذا سقطت بعد نحرها، وذلك عند خروج روحها (فكلوا منها) ذهب الجمهور أن هذا الأمر للندب (وأطعموا القانع والمعتر) هذا الأمر قيل هو للندب كالأول، وبه قال مجاهد والنخعي وابن جرير وابن سريج. وقال الشافعي وجماعة: هو للوجوب.
واختلف في القانع من هو؟ فقيل هو السائل، يقال قنع الرجل بفتح النون يقنع بكسرها إذا سأل، ومنه قول الشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغني * مفاقره أعف من القنوع أي السؤال، وقيل هو المتعفف عن السؤال المستغنى ببلغة، ذكر معناه الخليل. قال ابن السكيت: من العرب من ذكر القنوع بمعنى القناعة، وهى الرضا والتعفف وترك المسألة. وبالأول قال زيد بن أسلم وابنه وسعيد بن جبير والحسن، وروى عن ابن عباس. وبالثاني قال عكرمة وقتادة. وأما المعتر، فقال محمد بن كعب القرظي ومجاهد وإبراهيم والكلبي والحسن أنه الذي يتعرض من غير سؤال. وقيل هو الذي يعتريك ويسألك. وقال مالك: أحسن ما سمعت أن القانع: الفقير، والمعتر: الزائر. وروى عن ابن عباس: أن كلاهما الذي لا يسأل، ولكن القانع الذي يرضى بما عنده ولا يسأل، والمعتر الذي يتعرض لك ولا يسألك. وقرأ الحسن والمعترى ومعناه كمعنى المعتر، ومنه قول زهير:
على مكثريهم رزق من يعتريهم * وعند المقلين السماحة والبذل