فيه وجهان للمفسرين: الأول أنه عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم، من قول العرب: قد مر القوم على وجوههم:
إذا أسرعوا. الثاني أنهم يسحبون يوم القيامة على وجوههم حقيقة كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في إهانته وتعذيبه، وهذا هو الصحيح، لقوله تعالى - يوم يسحبون في النار على وجوههم -، ولما صح في السنة كما سيأتي، ومحل على وجوههم النصب على الحال من ضمير المفعول و (عميا) منتصب على الحال (وبكما وصما) معطوفان عليه والأبكم: الذي لا ينطق والأصم: الذي لا يسمع، وهذه هيئة يبعثون عليها في أقبح صورة، وأشنع منظر، قد جمع الله لهم بين عمى البصر وعدم النطق وعدم السمع مع كونهم مسحوبين على وجوههم، ثم من وراء ذلك (مأواهم جهنم) أي المكان الذي يأوون إليه، والجملة في محل نصب على الحال أو هي مستأنفة لا محل لها (كلما خبت زدناهم سعيرا) أي كلما سكن لهبها، يقال خبت النار تخبو خبوا: إذا خمدت وسكن لهبا. قال ابن قتيبة ومعنى زدناهم سعيرا تسعرا، وهو التلهب. وقد قيل إن في خبو النار تخفيفا لعذاب أهلها، فكيف يجمع بينه وبين قوله - لا يخفف عنهم العذاب -؟ وأجيب بأن المراد بعدم التخفيف أنه لا يتخلل زمان محسوس بين الخبو والتسعر، وقيل إنها تخبو من غير تخفيف عنهم من عذابها (ذلك) أي العذاب (جزاؤهم) الذي أوجبه الله لهم واستحقوه عنده، والباء في قوله (بأنهم كفروا بآياتنا) للسببية: أي بسبب كفرهم بها فلم يصدقوا بالآيات التنزيلية ولا تفكروا في الآيات التكوينية، واسم الإشارة مبتدأ وخبره جزاؤهم، وبأنهم كفروا خبر آخر، ويجوز أن يكون جزاؤهم مبتدأ ثانيا، وخبره ما بعده، والجملة خبر المبتدأ الأول (وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا) الهمزة للإنكار، وقد تقدم تفسير الآية في هذه السورة، وخلقا في قوله (أئنا لمبعوثون خلقا جديدا) مصدر من غير لفظه أو حال:
أي مخلوقين. فجاء سبحانه بحجة تدفعهم عن الإنكار وتردهم عن الجحود. فقال (أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم) أي من هو قادر على خلق هذا، فهو على إعادة ما هو أدون منه أقدر، وقيل المراد أنه قادر على إفنائهم وإيجاد غيرهم، وعلى القول الأول يكون الخلق بمعنى الإعادة، وعلى هذا القول هو على حقيقته، وجملة (وجعل لهم أجلا لا ريب فيه) عطف على أو لم يروا، والمعنى: قد علموا بدليل العقل أن من قدر على خلق السماوات والأرض فهو قادر على خلق أمثالهم، لأنهم ليسوا بأشد خلقا منهن كما قال - أأنتم أشد خلقا أم السماء - (وجعل لهم أجلا لا ريب فيه) وهو الموت أو القيامة، ويحتمل أن تكون الواو للاستئناف، وقيل في الكلام تقديم وتأخير: أي أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض وجعل لهم أجلا لا ريب فيه قادر على أن يخلق مثلهم (فأبى الظالمون إلا كفورا) أي أبى المشركون إلا جحودا، وفيه وضع الظاهر موضع المضمر للحكم عليهم بالظلم ومجاوزة الحد، ثم لما وقع من هؤلاء الكفار طلب إجراء الأنهار والعيون في أراضيهم لتتسع معايشهم، بين الله سبحانه أنهم لا يقنعون، بل يبقون على بخلهم وشحهم فقال (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربى) أنتم مرتفع على أنه فاعل فعل محذوف يفسره ما بعده: أي لو تملكون أنتم تملكون على أن الضمير المنفصل مبدل من الضمير المتصل وهو الواو، وخزائن رحمته سبحانه: هي خزائن الأرزاق. قال الزجاج: أعلمهم الله أنهم لو ملكوا خزائن الأرزاق لأمسكوا شحا وبخلا، وهو خشية الإنفاق: أي خشية أن ينفقوا فيفتقروا، وفى حذف الفعل الذي ارتفع به أنتم، وإيراد الكلام في صورة المبتدأ والخبر دلالة على أنهم هم المختصون بالشح.
قال أهل اللغة: أنفق وأصرم وأعدم وأقتر: بمعنى قل ماله، فيكون المعنى: لأمسكتم خشية قل المال (وكان الإنسان قتورا) أي بخيلا مضيقا عليه. يقال قتر على عياله يقتر ويقتر قترا وقتورا: ضيق عليهم في النفقة، ويجوز أن يراد وكان الإنسان قتورا: أي قليل المال، والظاهر أن المراد المبالغة في وصفه بالشح، لأن الإنسان