بسم الله الرحمن الرحيم سورة الإسراء الآية (1 - 3).
قوله (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) هو مصدر سبح. يقال سبح يسبح تسبيحا وسبحانا، مثل كفر اليمين تكفيرا وكفرانا، ومعناه التنزيه والبراءة لله من كل نقص. وقال سيبويه: العامل فيه فعل لا من لفظه، والتقدير أنزه الله تنزيها، فوقع سبحان مكان تنزيها، فهو على هذا مثل قعد القرفصاء واشتمل الصماء، وقيل هو علم للتسبيح كعثمان للرجل، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره أسبح الله سبحان، ثم نزل منزلة الفعل وسد مسده وقد قدمنا في قوله - سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا - طرفا من الكلام المتعلق بسبحان. والإسراء قيل: هو سير الليل، يقال سرى وأسرى: كسقي وأسقى لغتان، وقد جمع بينهما الشاعر في قوله:
حي النضير وربة الخدر * أسرت إلي ولم تكن تسرى وقيل هو سير أول الليل خاصة، وإذا كان الإسراء لا يكون إلا في الليل فلا بد للتصريح بذكر الليل بعده من فائدة، فقيل أراد بقوله ليلا تقليل مدة الإسراء وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسافة أربعين ليلة. ووجه دلالة ليلا على تقليل المدة ما فيه من التنكير الدال على البعضية. بخلاف ما إذا قلت سريت الليل فإنه يفيد استيعاب السير له جميعا. وقد استدل صاحب الكشاف على إفادة ليلا للبعضية بقراءة عبد الله وحذيفة من الليل. وقال الزجاج: معنى أسرى بعبده ليلا سير عبده يعني محمدا ليلا وعلى هذا فيكون معنى أسرى معنى سير فيكون للتقييد بالليل فائدة، وقال بعبده ولم يقل بنبيه أو رسوله أو بمحمد تشريفا له صلى الله عليه وآله وسلم قال أهل العلم: لو كان غير هذا الاسم أشرف منه لسماه الله سبحانه به في هذا المقام العظيم والحالة العلية:
لا تدعي إلا بيا عبدها * فإنه أشرف أسمائي * ادعاء بأسماء نبزا في قبائلها * كأن أسماء أضحت بعض أسمائي (من المسجد الحرام) قال الحسن وقتادة: يعني المسجد نفسه وهو ظاهر القرآن. وقال عامة المفسرين،:
أسرى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من دار أم هانئ. فحملوا المسجد الحرام على مكة أو الحرام لإحاطة كل واحد منهما بالمسجد الحرام. أو لأن الحرم كله مسجد. ثم ذكر سبحانه الغاية التي أسرى برسوله صلى الله عليه وآله وسلم إليها فقال (إلى المسجد الأقصى) وهو بيت المقدس. وسمى الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ولم يكن حينئذ وراءه مسجد. ثم وصف المسجد الأقصى بقوله (الذي باركنا حوله) بالثمار والأنهار والأنبياء والصالحين، فقد بارك الله سبحانه حول المسجد الأقصى ببركات الدنيا والآخرة. وفى باركنا بعد قوله أسرى التفات من الغيبة إلى التكلم. ثم ذكر العلة التي أسرى به لأجلها فقال (لنريه من آياتنا) أي ما أراه الله