بالشر عقوبة، مع أن العقوبة ليست إلا فعل الثاني وهو المجاري للمشاكلة، وهى باب معروف وقع في كثير من الكتاب العزيز. ثم حث سبحانه على العفو فقال (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) أي لئن صبرتم عن المعاقبة بالمثل فالصبر خير لكم من الانتصاف، ووضع الصابرين موضع الضمير، ثناء من الله عليهم بأنهم صابرون على الشدائد.
وقد ذهب الجمهور إلى أن هذه الآية محكمة لأنها واردة في الصبر عن المعاقبة والثناء على الصابرين على العموم، وقيل هي منسوخة بآيات القتال. ولا وجه لذلك. ثم أمر الله سبحانه رسوله بالصبر فقال (واصبر) على ما أصابك من صنوف الأذى (وما صبرك إلا بالله) أي بتوفيقه وتثبيته، والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء: أي وما صبرك مصحوبا بشئ من الأشياء إلا بتوفيقه لك، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. ثم نهاه عن الحزن فقال (ولا تحزن عليهم) أي على الكافرين في إعراضهم عنك. أو لا تحزن على قتلى أحد، فإنهم قد أفضوا إلى رحمة الله (ولا تك في ضيق مما يمكرون) قرأ الجمهور بفتح الضاد، وقرأ ابن كثير بكسرها. قال ابن السكيت: هما سواء، يعني المفتوح والمكسور. وقال الفراء: الضيق بالفتح ما ضاق عنه صدرك، والضيق بالكسر ما يكون في الذي يتسع مثل الدار والثوب، وكذا قال الأخفش، وهو من الكلام المقلوب، لأن الضيق وصف للإنسان يكون فيه ولا يكون الإنسان فيه، وكأنه أراد وصف الضيق بالعظم حتى صار كالشئ المحيط بالإنسان من جميع جوانبه، ومعنى مما يمكرون: من مكرهم لك فيما يستقبل من الزمان. ثم ختم هذه السورة بآية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات فقال (إن الله مع الذين اتقوا) أي اتقوا المعاصي على اختلاف أنواعها (والذين هم محسنون) بتأدية الطاعات والقيام بما أمروا بها منها، وقيل المعنى: إن الله مع الذين اتقوا الزيادة في العقوبة، والذين هم محسنون في أصل الانتقام فيكون الأول إشارة إلى قوله (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) والثاني إشارة إلى قوله (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) وقيل (الذين اتقوا) إشارة إلى التعظيم لأمر الله (والذين هم محسنون) إشارة إلى الشفقة على عباد الله تعالى.
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود: أنه سئل عن الأمة ما هي؟ فقال: الذي يعلم الناس الخير، قالوا: فما القانت؟ قال: الذي يطيع الله ورسوله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله) قال: كان على الإسلام ولم يكن في زمانه من قومه أحد على الإسلام غيره، فلذلك قال الله (كان أمة قانتا لله). وأخرج ابن المنذر عنه في قوله (كان أمة) قال: إماما في الخير (قانتا) قال: مطيعا. وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ما من عبد تشهد له أمة إلا قبل الله شهادتهم " والأمة الرجل فما فوقه، إن الله يقول (إن إبراهيم كان أمة) والأمة الرجل فما فوقه ". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي عن ابن عمر وقال صلى جبريل بإبراهيم الظهر والعصر بعرفات ثم وقف حتى إذا غابت الشمس دفع به، ثم صلى المغرب والعشاء بجمع ثم صلى الفجر به كأسرع ما يصلي أحدكم من المسلمين ثم وقف به حتى إذا كان كأبطإ ما يصلي أحد من المسلمين دفع به، ثم رمى الجمرة ثم ذبح ثم حلق ثم أفاض به إلى البيت فطاف به، فقال الله لنبيه (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) قال: أراد الجمعة فأخذوا السبت مكانها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك وسعيد بن جبير في الآية قال:
باستحلالهم إياه، رأى موسى رجلا يحمل حطبا يوم السبت فضرب عنقه: وفى الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا