سبحانه في تلك الليلة من العجائب التي من جملتها قطع هذه المسافة الطويلة في جزء من الليل (إنه) سبحانه (هو السميع) بكل مسموع، ومن جملة ذلك قول رسوله صلى الله عليه وآله وسلم (البصير) بكل مبصر، ومن جملة ذلك ذات رسوله وأفعاله.
وقد اختلف أهل العلم هل كان الإسراء بجسده صلى الله عليه وآله وسلم مع روحه أو بروحه فقط؟ فذهب معظم السلف والخلف إلى الأول. وذهب إلى الثاني طائفة من أهل العلم منهم عائشة ومعاوية والحسن وابن إسحاق وحكاه ابن جرير عن حذيفة بن اليمان. وذهبت طائفة إلى التفصيل فقالوا: كان الإسراء بجسده يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح، واستدلوا على هذا التفصيل بقوله إلى المسجد الأقصى، فجعله غاية للإسراء بذاته صلى الله عليه وآله وسلم. فلو كان الإسراء من بيت المقدس إلى السماء وقع بذاته لذكره، والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من أن الإسراء بجسده وروحه يقظة إلى بيت المقدس، ثم إلى السماوات، ولا حاجة إلى التأويل وصرف هذا النظم القرآني وما يماثله من ألفاظ الأحاديث إلى ما يخالف الحقيقة، ولا مقتضى لذلك إلا مجرد الاستبعاد وتحكيم محض العقول القاصرة عن فهم ما هو معلوم من أنه لا يستحيل عليه سبحانه شئ. ولو كان ذلك مجرد رؤيا كما يقوله من زعم أن الإسراء كان بالروح فقط، وأن رؤيا الأنبياء حق لم يقع التكذيب من الكفرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند إخباره لهم بذلك حتى ارتد من ارتد ممن لم يشرح بالإيمان صدرا. فإن الإنسان قد يرى في نومه ما هو مستبعد. بل ما هو محال ولا ينكر ذلك أحد، وأما التمسك لمن قال بأن هذا الإسراء إنما كان بالروح على سبيل الرؤيا بقوله - وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنه للناس فعلى تسليم أن المراد بهذه الرؤيا هو هذا الإسراء. فالتصريح الواقع هنا بقوله (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) والتصريح في الأحاديث الصحيحة الكثيرة بأنه أسرى به لا تقصر عن الاستدلال بها على تأويل هذه الرؤيا الواقعة في الآية برؤية العين، فإنه قد يقال لرؤية العين رؤيا. وكيف يصح حمل هذا الإسراء على الرؤيا مع تصريح الأحاديث الصحيحة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركب البراق؟ وكيف يصح وصف الروح بالركوب؟
وهكذا كيف يصح حمل هذا الإسراء على الرؤيا مع تصريحه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه كان عند أن أسرى به بين النائم واليقظان:
وقد اختلف أيضا في تاريخ الإسراء، فروى أن ذلك كان قبل الهجرة إلى المدينة بسنة. وروى أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام. ووجه ذلك أن خديجة صلت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد ماتت قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بثلاث. وقيل بأربع، ولم تفرض الصلاة إلا ليلة الاسراء. وقد استدل بهذا ابن عبد البر على ذلك، وقد اختلفت الرواية عن الزهري. وممن قال بأن الاسراء كان قبل الهجرة بسنة الزهري في رواية عنه، وكذلك الحربي فإنه قال: أسرى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة.
وقال ابن القاسم في تاريخه: كان الإسراء بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا. قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من أهل السير قال بمثل هذا. وروى عن الزهري أنه أسرى به قبل مبعثه بسبعة أعوام، وروى عنه أنه قال: كان قبل مبعثه بخمس سنين. وروى يونس عن عروة عن عائشة أنها قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة.
(وآتينا موسى الكتاب) أي التوراة. قيل والمعنى: كرمنا محمدا بالمعراج وأكرمنا موسى بالكتاب (وجعلناه) أي ذلك الكتاب، وقيل موسى (هدى لبني إسرائيل) يهتدون به (أن لا تتخذوا). قرأ أبو عمرو بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالفوقية: أي لئلا يتخذوا، والمعنى: آتيناه الكتاب لهداية بني إسرائيل لئلا يتخذوا (من دوني وكيلا) قال الفراء: أي كفيلا بأمورهم، وروى عنه أنه قال كافيا: وقيل معناه: أي متوكلون عليه في أمورهم، وقيل