الديار (وكان) ذلك (وعدا مفعولا) أي كائنا لا محالة (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) أي الدولة والغلبة والرجعة وذلك عند توبتهم. قيل وذلك حين قتل داود جالوت، وقيل حين قتل بختنصر (وأمددناكم بأموال وبنين) بعد نهب أموالكم وسبى أبنائكم حتى عاد أمركم كما كان (وجعلناكم أكثر نفيرا) قال أبو عبيدة: النفير العدد من الرجال، فالمعنى: أكثر رجالا من عدوكم. والنفير من ينفر مع الرجل من عشيرته، يقال نفير ونافر مثل قدير وقدر، ويجوز أن يكون النفير جمع نفر (إن أحسنتم): أي أفعالكم وأقوالكم على الوجه المطلوب منكم (أحسنتم لأنفسكم) لأن ثواب ذلك عائد إليكم (وإن أسأتم) أفعالكم وأقوالكم فأوقعتموها لا على الوجه المطلوب منكم (فلها) أي فعليها. ومثله قول الشاعر: فخر صريعا لليدين وللفم * أي على اليدين وعلى الفم، قال ابن جرير: اللام بمعنى إلى: أي فإليها ترجع الإساءة كقوله تعالى - بأن ربك أوحى لها - أي إليها، وقيل المعنى: فلها الجزاء أو العقاب. وقال الحسين بن الفضل: فلها رب يغفر الإساءة. وهذا الخطاب قيل هو لبني إسرائيل الملابثين لما ذكر في هذه الآيات، وقيل لبني إسرائيل الكائنين في زمن محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومعناه: إعلامهم ما حل بسلفهم فليرتقبوا مثل ذلك وقيل هو خطاب لمشركي قريش (فإذا جاء وعد الآخرة) أي حضر وقت ما وعدوا من عقوبة المرة الآخرة، والمرة الآخرة هي قتلهم يحيى ابن زكريا كما سبق، وقصة قتله مستوفاة في الإنجيل واسمه فيه يوحنا، قتله ملك من ملوكهم بسبب امرأة حملته على قتله، واسم الملك لأخت قاله ابن قتيبة. وقال ابن جرير: هيردوس، وجواب إذا محذوف تقديره بعثناهم لدلالة جواب إذا الأولى عليه، (وليسؤوا وجوهكم) متعلق بهذا الجواب المحذوف: أي ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم حتى تظهر عليكم آثار المساءة وتتبين في وجوهكم الكآبة، وقيل المراد بالوجوه السادة منهم. وقرأ الكسائي " لنسوء " بالنون على أن الضمير لله سبحانه. وقرأ أبى " لنسوءن " بنون التأكيد. وقرأ أبو بكر والأعمش وابن وثاب وحمزة وابن عامر ليسوء بالتحتية والإفراد. قال الزجاج: كل شئ كسرته وفتته فقد تبرته، والضمير لله أو الوعد (وليدخلوا المسجد) معطوف على ليسوءوا (كما دخلوه أول مرة وليتبروا) أي يدمروا ويهلكوا، وقال قطرب: يهدموا، ومنه قول الشاعر:
فما الناس إلا عاملان فعامل * يتبر ما يبنى وآخر رافع وقرأ الباقون بالتحتية وضم الهمزة وإثبات واو بعدها على أن الفاعل عباد لنا (ما علوا) أي ما غلبوا عليه من بلادكم أو مدة علوهم (تتبيرا) أي تدميرا، ذكر المصدر إزالة للشك وتحقيقا للخبر (عسى ربكم أن يرحمكم) يا بني إسرائيل بعد انتقامه منكم في المرة الثانية (وإن عدتم) للثالثة (عدنا) إلى عقوبتكم. قال أهل السير: ثم إنهم عادوا إلى ما لا ينبغي وهو تكذيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكتمان ما ورد من بعثه في التوراة والإنجيل فعاد الله إلى عقوبتهم على أيدي العرب، فجرى على بني قريظة والنضير وبنى قينقاع وخيبر ما جرى من القتل والسبي والإجلاء وضرب الجزية على من بقي منهم، وضرب الذلة والمسكنة (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) وهو المحبس فهو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول. والمعنى: أنهم محبوسون في جهنم لا يتخلصون عنها أبدا. قال الجوهري:
حصره يحصره حصرا: ضيق عليه وأحاط به، وقيل فراشا ومهادا، وأراد على هذا بالحصير الحصير الذي يفرشه الناس (إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم) يعنى القرآن يهدى الناس الطريقة التي هي أقوم من غيرها من الطرق وهي ملة الإسلام، فالتي هي أقوم صفة لموصوف محذوف وهى الطريق، وقال الزجاج: للحال التي هي أقوم الحالات، وهى توحيد الله والإيمان برسله، وكذا قال الفراء (ويبشر المؤمنين) قرأ حمزة والكسائي " يبشر " بفتح