(وإذا رأى الذين ظلموا العذاب) أي وإذا رأى الذين أشركوا العذاب الذي يستحقونه بشركهم، وهو عذاب جهنم (فلا يخفف) ذلك العذاب (عنهم ولا هم ينظرون) أي ولا هم يمهلون ليتوبوا إذ لا توبة هنالك (وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم) أي أصنامهم وأوثانهم التي عبدوها، لما تقرر من أنهم يبعثون مع المشركين ليقال لهم من كان يعبد شيئا فليتبعه، كما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وآله وسلم (قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك) أي الذين كنا نعبدهم من دونك. قال أبو مسلم الأصفهاني: مقصود المشركين بهذا القول إحالة الذنب على تلك الأصنام تعللا بذلك واسترواحا مع كونهم يعلمون أن العذاب واقع بهم لا محالة، ولكن الغريق يتعلق بكل ما تقع يده عليه (فألقوا إليهم القول) أي ألقى أولئك الأصنام والأوثان والشياطين ونحوهم إلى المشركين القول (إنكم لكاذبون) أي قالوا لهم إنكم أيها المشركون لكاذبون فيما تزعمون من إحالة الذنب علينا الذي هو مقصودكم من هذا القول. فإن قيل إن المشركين أشاروا إلى الأصنام ونحوها أن هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك، وقد كانوا صادقين في ذلك، فكيف كذبتهم الأصنام ونحوها؟ فالجواب بأن مرادهم من قولهم هؤلاء شركاؤنا: هؤلاء شركاء الله في المعبودية، فكذبتهم الأصنام في دعوى هذه الشركة، والأصنام والأوثان وإن كانت لا تقدر على النطق فإن الله سبحانه ينطقها في تلك الحال لتخجيل المشركين وتوبيخهم، وهذا كما قالت الملائكة - بل كانوا يعبدون الجن - يعنون أن الجن هم الذين كانوا راضين بعبادتهم لهم (وألقوا إلى الله يومئذ السلم) أي ألقى المشركون يوم القيامة الاستسلام والانقياد لعذابه والخضوع لعزته، وقيل استسلم العابد والمعبود وانقادوا لحكمه فيهم (وضل عنهم ما كانوا يفترون) أي ضاع وبطل ما كانوا يفترونه من أن لله سبحانه شركاء وما كانوا يزعمون من شفاعتهم لهم، وأن عبادتهم لهم تقربهم إلى الله سبحانه (الذين كفروا) في أنفسهم (وصدوا) غيرهم (عن سبيل الله) أي عن طريق الحق، وهى طريق الإسلام والإيمان بأن منعوهم من سلوكها وحملوهم على الكفر، وقيل المراد بالصد عن سبيل الله: الصد عن المسجد الحرام، والأولى العموم. ثم أخبر عن هؤلاء الذين صنعوا هذا الصنع بقوله (زدناهم عذابا فوق العذاب) أي زادهم الله عذابا لأجل الإضلال لغيرهم فوق العذاب الذي استحقوه لأجل ضلالهم، وقيل المعنى: زدنا القادة عذابا فوق عذاب أتباعهم أي أشد منه، وقيل إن هذه الزيادة هي إخراجهم من النار إلى الزمهرير، وقيل غير ذلك (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم) أي نبيا يشهد عليهم (من أنفسهم) من جنسهم، إتماما للحجة وقطعا للمعذرة، وهذا تكرير لما سبق لقصد التأكيد والتهديد (وجئنا بك) يا محمد (شهيدا على هؤلاء) أي تشهد على هذه الأمم وتشهد لهم، وقيل على أمتك. وقد تقدم مثل هذا في البقرة والنساء (ونزلنا عليك الكتاب) أي القرآن، والجملة مستأنفة أو في محل نصب على الحال بتقدير قد (تبيانا لكل شئ) أي بيانا له، والتاء للمبالغة، ونظيره من المصادر التلقاء، ولم يأت غيرهما. ومثل هذه الآية قوله سبحانه - ما فرطنا في الكتاب من شئ -، ومعنى كونه تبيانا لكل شئ أن فيه البيان الكثير من الأحكام، والإحالة فيما بقي منها على السنة، وأمرهم باتباع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يأتي به من الأحكام. وطاعته كما في الآيات القرآنية الدالة على ذلك، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " إني أوتيت القرآن ومثله معه " (وهدى) للعباد (ورحمة) لهم (وبشرى للمسلمين) خاصة دون غيرهم، أو يكون الهدى والرحمة والبشرى خاصة بهم، لأنهم المنتفعون بذلك. ثم لما ذكر سبحانه أن في القرآن تبيان كل شئ ذكر عقبة آية جامعة لأصول التكليف كلها تصديقا لذلك فقال (إن الله يأمر بالعدل والإحسان).
وقد اختلف أهل العلم في تفسير العدل والإحسان، فقيل: العدل لا إله إلا الله، والإحسان أداء الفرائض،