في الدنيا والغنائم والرزق الواسع، وما عنده في الآخرية من نعيم الجنة الذي لا يزول ولا ينقطع هو خير لهم، ثم علل النهى عن أن يشتروا بعهد الله ثمنا قليلا وأن ما عند الله هو خير لهم بقوله (إن كنتم تعلمون) أي إن كنتم من أهل العلم والتمييز بين الأشياء. ثم ذكر دليلا قاطعا على حقارة عرض الدنيا وخيرية ما عند الله فقال (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) ومعلوم لكل عاقل أن ما ينفد ويزول وإن بلغ في الكثرة إلى أي مبلغ فهو حقير يسير، وما كان يبقى ولا يزول فهو كثير جليل، أما نعيم الآخرة فظاهر، وأما نعيم الدنيا الذي أنعم الله به على المؤمنين فهو وإن كان زائلا لكنه لما كان متصلا بنعيم الآخرة كان من هذه الحيثية في حكم الباقي الذي لا ينقطع، ثم قال (ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) اللام هي الموطئة: أي لنجزينهم بسبب صبرهم على ما نالهم من مشاق التكليف وجهاد الكافرين والصبر على ما ينالهم منهم من الإيذاء بأحسن ما كانوا يعملون من الطاعات. قيل وإنما خص أحسن أعمالهم، لأن ما عداه وهو الحسن مباح، والجزاء إنما يكون على الطاعة، وقيل المعنى: ولنجزينهم بجزاء أشرف وأوفر من عملهم كقوله - من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها - أو لنجزينهم بحسب أحسن أفراد أعمالهم على معنى لنعطينهم بمقابلة الفرد الأدنى من أعمالهم المذكورة ما نعطيهم بمقابلة الفرد الأعلى منها من الجزاء الجزيل، لا أنا نعطى الأجر بحسب أفرادها المتفاوتة في مراتب الحسن بأن نجزى الحسن منها بالأجر الحسن، والأحسن بالأحسن، كذا قيل. قرأ عاصم وابن كثير " لنجزين " بالنون. وقرأ الباقون بالياء التحتية.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مزيدة بن جابر في قوله (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) قال: أنزلت هذه الآية في بيعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كأن من أسلم بايع على الإسلام، فقال (وأوفوا بعهد الله) الآية فلا يحملنكم قلة محمد وأصحابه وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام، وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) يقول: بعد تغليظها، وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه. وأخرج ابن مردويه من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن سعيدة الأسدية كانت تجمع الشعر والليف، فنزلت فيها هذه الآية (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها). وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن حفص مثله، وفى الروايتين جميعا أنها كانت مجنونة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في سبب نزول الآية قال: كانت امرأة بمكة تسمى خرقاء مكة كانت تغزل فإذا أبرمت غزلها نقضته. وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير معناه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (أن تكون أمة هي أربى من أمة) قال: ناس أكثر من ناس وأخرجوا عن مجاهد في الآية قال: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون هؤلاء الذين هم أعز فنهوا عن ذلك.
سورة النحل الآية (97 - 100)