قدمنا الوجه في إفراد السمع وجمع الأبصار والأفئدة، وهو أن إفراد السمع لكونه مصدرا في الأصل يتناول القليل والكثير (لعلكم تشكرون) أي لكي تصرفوا كل آلة فيما خلقت له، فعند ذلك تعرفون مقدار ما أنعم الله به عليكم فتشكرونه. أو أن هذا الصرف هو نفس الشكر. ثم ذكر سبحانه دليلا آخر على كمال قدرته، فقال (ألم يروا إلى الطير مسخرات) أي ألم ينظروا إليها حال كونها مسخرات: أي مذللات للطيران بما خلق الله لها من الأجنحة وسائر الأسباب المواتية لذلك كرقة قوام الهواء وإلهامها بسط الجناح وقبضه كما يفعل السابح في الماء (في جو لسماء) أي في الهواء المتباعد من الأرض في سمت العلو، وإضافته إلى السماء لكونه في جانبها (ما يمسكهن) في الجو (إلا الله) سبحانه بقدرته الباهرة، فإن ثقل أجسامها ورقة قوام الهواء يقتضيان سقوطها، لأنها لم تتعلق بشئ من فوقها ولا اعتمدت على شئ تحتها. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وابن عامر وحمزة ويعقوب " ألم تروا " بالفوقية على الخطاب، واختار هذه القراءة أبو عبيد. وقرأ الباقون بالتحتية (إن في ذلك لآيات) * أي إن في ذلك التسخير على تلك الصفة لآيات ظاهرات تدل على وحدانية الله سبحانه وقدرته الباهرة (لقوم يؤمنون) بالله سبحانه وبما جاءت به رسله من الشرائع التي شرعها الله.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا) الآية قال: يعنى الكافر أنه لا يستطيع أن ينفق نفقة في سبيل الله (ومن رزقناه منا رزقا حسنا) الآية قال: يعنى المؤمن وهذا المثل في النفقة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية، وفى قوله (مثلا رجلين أحدهما أبكم) قال: كل هذا مثل إله الحق وما تدعون من دونه الباطل. وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال: في المثل الأول يعنى بذلك الآلهة التي لا تملك ضرا ولا نفعا ولا تقدر على شئ ينفعها (ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا) قال: علانية الذي ينفق سرا وجهرا لله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عنه قال: نزلت هذه الآية (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا) في رجل من قريش وعبدة بن هشام بن عمرو، وهو الذي ينفق سرا وجهرا، وفى عبدة أبى الجوزاء الذي كان ينهاه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أيضا في قوله (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم) الآية قال: يعنى بالأبكم الذي هو كل على مولاه الكافر (ومن يأمر بالعدل) المؤمن، وهذا المثل في الأعمال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عنه أيضا قال: نزلت هذه الآية - وضرب الله مثلا رجلين - الآية في عثمان بن عفان ومولى له كافر، وهو أسيد بن أبي العيص كان يكره الإسلام، وكان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المؤنة، وكان لآخر ينهاه عن الصدقة والمعروف، فنزلت فيهما. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عنه أيضا في قوله (ومن يأمر بالعدل) قال: عثمان بن عفان. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله (كل) قال: الكل العيال، كانوا إذا ارتحلوا حملوه على بعير ذلول، وجعلوا معه نفرا يمسكونه خشية أن يسقط عليهم، فهو عناء وعذاب وعيال عليهم (هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم) يعنى نفسه. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر) هو أن يقول: كن فهو كلمح البصر (أو هو أقرب) فالساعة كلمح البصر أو هي أقرب. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى في قوله (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم) قال:
من الرحم، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (في جو السماء) أي في كبد السماء.