صحيحا فهو دخل. وقيل الدخل ما أدخل في الشئ على فساده. وقال الزجاج غشا وغلا (أن تكون أمة هي أربى من أمة) أي بأن تكون جماعة هي أربى من جماعة: أي أكثر عددا منها وأوفر مالا. يقال ربا الشئ يربو إذا كثر، قال الفراء: المعنى لا تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم أو لقلتكم وكثرتهم وقد عزرتموهم بالأيمان. قيل وقد كانت قريش إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم، وقيل هو تحذير للمؤمنين أن يغتروا بكثرة قريش وسعة أموالهم فينقضوا بيعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إنما يبلوكم الله به) أي يختبركم بكونكم أكثر وأوفر لينظر هل تتمسكون بحبل الوفاء أو تنقضون اغترار بالكثرة؟ فالضمير في به راجع إلى مضمون جملة:
أن تكون أمة هي أربى من أمة: أي إنما يبلوكم الله بتلك الكثرة ليعلم ما تصنعون، أو إنما يبلوكم الله بما يأمركم وينهاكم (وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون) فيوضح الحق والمحقين ويرفع درجاتهم، ويبين الباطل والمبطلين فينزل بهم من العذاب ما يستحقونه، وفى هذا إنذار وتحذير من مخالفة الحق والركون إلى الباطل، أو يبين لكم ما كنتم تختلفون فيه من البعث والجنة والنار. ثم بين سبحانه أنه قادر على أن يجمع المؤمنين والكافرين على الوفاء أو على الإيمان فقال (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) متفقة على الحق (ولكن) بحكم الإلهية (يضل من يشاء) بخذلانه إياهم عدلا منه فيهم (ويهدى من يشاء) بتوفيقه إياهم فضلا منه عليهم - لا يسأل عما يفعل وهم يسألون - ولهذا قال (ولتسألن عما كنتم تعملون) من الأعمال في الدنيا، واللام في وليبينن لكم، وفى ولتسألن هما الموطئتان للقسم. ثم لما نهاهم سبحانه عن نقض مطلق الأيمان نهاهم عن نقض أيمان مخصوصة فقال (ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم) وهى أيمان البيعة. قال الواحدي: قال المفسرون: وهذا في نهى الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نقض العهد على الإسلام ونصرة الدين، واستدلوا على هذا التخصيص بما في قوله (فتزل قدم بعد ثبوتها) من المبالغة، وبما في قوله (وتذوقوا السوء بما صددتم) لأنهم إذا نقضوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدوا غيرهم عن الدخول في الإسلام. وعلى تسليم أن هذه الأيمان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي سبب نزول هذه الآية، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقال جماعة من المفسرين: إن هذا تكرير لما قبله لقصد التأكيد والتقرير، ومعنى فتزل قدم بعد ثبوتها فتزل قدم من اتخذ يمينه دخلا عن محجة الحق بعد ثبوتها عليها ورسوخها فيها. قيل وأفرد القدم للإيذان بأن زلل قدم واحد أي قدم كانت عزت أو هانت محذور عظيم، فكيف بأقدام كثيرة؟ وهذا استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم ويسقط فيه لأن القدم إذا زلت نقلت الإنسان من حال خير إلى حال شر، ويقال لمن أخطأ في شئ زلت به قدمه، ومنه قول الشاعر:
تداركتما عبسا وقد ثل عرشها * وذبيان قد زلت بأقدامها النعل (وتذوقوا السوء بما صددتم) أي تذوقوا العذاب السئ في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما بما صددتم (عن سبيل الله) أي بسبب صدودكم أنتم عن سبيل الله وهو الإسلام. أو بسبب صدكم لغيركم عن الإسلام، فإن من نقض البيعة وارتد اقتدى به غيره في ذلك فكان فعله سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها ولهذا قال (ولكم عذاب عظيم) أي متبالغ في العظم، وهو عذاب الآخرة إن كان المراد بما قبله عذاب الدنيا. ثم نهاهم سبحانه عن الميل إلى عرض الدنيا والرجوع عن العهد لأجله فقال (ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا) أي لا تأخذوا في مقابلة عهدكم عوضا يسيرا حقيرا، وكل عرض دنيوي وإن كان في الصورة كثيرا فهو لكونه ذاهبا زائلا يسير، ولهذا ذكر سبحانه بعد تقليل عرض الدنيا خيرية ما عند الله فقال (إنما عند الله هو خير لكم) أي ما عنده من النصر