الرشد وأدل من قصة أصحاب الكهف، وقد فعل الله به ذلك حيث آتاه من علم غيوب المرسلين وخبرهم ما كان أوضح في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف، وقيل الإشارة إلى قوله (واذكر ربك إذا نسيت أي عسى أن يهديني ربي عند هذا النسيان لشئ آخر بدل هذا المنسي، وأقرب منه رشدا وأدنى منه خيرا ومنفعة، والأول أولى (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا) قرأ الجمهور بتنوين مائة ونصب سنين، فيكون سنين على هذه القراءة بدلا أو عطف بيان. وقال الفراء وأبو عبيدة والزجاج والكسائي: فيه تقديم وتأخير، والتقدير سنين ثلاثمائة. ورجح الأول أبو علي الفارسي. وقرأ حمزة والكسائي بإضافة مائة إلى سنين، وعلى هذه القراءة تكون سنين تمييزا على وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كقوله تعالى - بالأخسرين أعمالا - قال الفراء:
ومن العرب من يضع سنين موضع سنة. قال أبو علي الفارسي: هذه الأعداد التي تضاف في المشهور إلى الآحاد نحو ثلاثمائة رجل وثوب قد تضاف إلى المجموع وفى مصحف عبد الله " ثلاثمائة سنة ". وقال الأخفش: لا تكاد العرب تقول مائة سنين. وقرأ الضحاك " ثلاثمائة سنون " بالواو. وقرأ الجمهور " تسعا " بكسر التاء. وقرأ أبو عمرو بفتحها، وهذا إخبار من الله سبحانه بمدة لبثهم. قال ابن جرير: إن بني إسرائيل اختلفوا فيما مضى لهم من المدة بعد الإعثار عليهم، فقال بعضهم: إنهم لبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن هذه المدة في كونهم نياما، وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر، فأمر الله أن يرد علم ذلك إليه، فقال (قل الله أعلم بما لبثوا) قال ابن عطية: فقوله على هذا لبثوا الأول يريد في يوم الكهف، ولبثوا الثاني يريد بعد الإعثار عليهم إلى مدة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو إلى أن ماتوا. وقال بعضهم: إنه لما قال (وازدادوا تسعا) لم يدر الناس أهي ساعات أم أيام أم جمع أم شهور أم أعوام، واختلف بنوا إسرائيل بحسب ذلك، فأمر الله برد العلم إليه في التسع، فهي على هذا مبهمة. والأول أولى، لأن الظاهر من كلام العرب المفهوم بحسب لغتهم أن التسع أعوام، بدليل أن العدد في هذا الكلام للسنين لا للشهور ولا للأيام ولا للساعات. وعن الزجاج أن المراد ثلاثمائة سنة شمسية وثلاثمائة وتسع سنين قمرية، وهذا إنما يكون من الزجاج على جهة التقريب. ثم أكد سبحانه اختصاصه بعلم ما لبثوا بقوله (له غيب السماوات والأرض) أي ما خفى فيهما وغاب من أحوالهما ليس لغيره من ذلك شئ، ثم زاد في المبالغة والتأكيد فجاء بما يدل على التعجب من إدراكه للمبصرات والمسموعات فقال (أبصر به وأسمع) فأفاد هذا التعجب على أن شأنه سبحانه في علمه بالمبصرات والمسموعات خارج عما عليه إدراك المدركين، وأنه يستوي في علمه الغائب والحاضر، والخفي والظاهر، والصغير والكبير، واللطيف والكثيف، وكأن أصله ما أبصره وما أسمعه، ثم نقل إلى صيغة الأمر للإنشاء، والباء زائدة عند سيبويه وخالفه الأخفش، والبحث مقرر في علم النحو (ما لهم من دونه من ولى) الضمير لأهل السماوات والأرض، وقيل لأهل الكهف، وقيل لمعاصري محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الكفار: أي مالهم من موال يواليهم أو يتولى أمورهم أو ينصرهم، وفى هذا بيان لغاية قدرته وأن الكل تحت قهره (ولا يشرك في حكمه أحدا) قرأ الجمهور برفع الكاف على الخبر عن الله سبحانه. وقرأ ابن عباس والحسن وأبو رجاء وقتادة بالتاء الفوقية وإسكان الكاف على أنه نهى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعل لله شريكا في حكمه، ورويت هذه القراءة عن ابن عامر. وقرأ مجاهد بالتحتية والجزم. قال يعقوب: