لمضمون الأمر بإقامة الصلاة، وذلك لأن تركها كثيرا ما يكون بسبب الاشتغال بالبيع ورعاية حقوق الأخلاء، وقد تقدم في البقرة تفسير البيع والخلال (الله الذي خلق السماوات والأرض) أي أبدعهما واخترعهما على غير مثال وخلق ما فيهما من الأجرام العلوية والسفلية، والاسم الشريف مبتدأ وما بعده خبره (وأنزل من السماء ماء) المراد بالسماء هنا جهة العلو، فإنه يدخل في ذلك الفلك عند من قال إن ابتداء المطر منه، ويدخل فيه السحاب عند من قال إن ابتداء المطر منها، وتدخل فيه الأسباب التي تثير السحاب كالرياح، وتنكير الماء هنا للنوعية: أي نوعا من أنواع الماء، وهو ماء المطر (فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) أي أخرج بذلك الماء من الثمرات المتنوعة رزقا لبنى آدم يعيشون به، و " من " في الثمرات للبيان كقولك: أنفقت من الدراهم، وقيل للتبعيض لأن الثمرات منها ما هو رزق لبنى آدم، ومنها ما ليس برزق لهم، وهو ما لا يأكلونه ولا ينتفعون به (وسخر لكم الفلك) فجرت على إرادتكم واستعملتموها في مصالحكم، ولذا قال (لتجرى في البحر) كما تريدون وعلى ما تطلبون (بأمره) أي بأمر الله ومشيئته، وقد تقدم تفسير هذا في البقرة (وسخر لكم الأنهار) أي ذللها لكم بالركوب عليها والإجراء لها إلى حيث تريدون (وسخر لكم الشمس والقمر) لتنتفعوا بهما وتستضيئوا بضوئهما، وانتصاب (دائبين، على الحال، والدؤوب مرور الشئ في العمل على عادة جارية: أي دائبين في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره، وقيل دائبين في السير امتثالا لأمر الله، والمعنى: يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران ولا ينقطع سيرهما (وسخر لكم الليل والنهار) يتعاقبان، فالنهار لسعيكم في أمور معاشكم وما تحتاجون إليه من أمور دنياكم، والليل لتسكنوا كما قال سبحانه - ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله - (وآتاكم من كل ما سألتموه) قال الأخفش: أي أعطاكم من كل مسؤول سألتموه شيئا فحذف شيئا، وقيل المعنى: وآتاكم من كل ما سألتموه ومن كل ما لم تسألوه، فحذفت الجملة الأخرى قاله ابن الأنباري، وقيل من زائدة: أي آتاكم كل ما سألتموه، وقيل للتبعيض: أي آتاكم بعض كل ما سألتموه. وقرأ ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة " من كل " بتنوين كل، وعلى هذه القراءة يجوز أن تكون " ما " نافية: أي آتاكم من جميع ذلك حال كونكم غير سائلين له، ويجوز أن تكون موصولة: أي آتاكم من كل شئ الذي سألتموه (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) أي وإن تتعرضوا لتعداد نعم الله التي أنعم بها عليكم إجمالا فضلا عن التفصيل لا تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه، ولا تقوموا بحصرها على حال من الأحوال، وأصل الإحصاء أن الحاسب إذا بلغ عقدا معينا من عقود الأعداد وضع حصاة ليحفظه بها ومعلوم أنه لو رام فرد من أفراد العباد أن يحصى ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه. أو حاسة من حواسه لم يقدر على ذلك قط ولا أمكنه أصلا، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه الله في بدنه، فكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كل وقت على تنوعها واختلاف أجناسها. اللهم إنا نشكرك على كل نعمة أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلا أنت، ومما علمناه شكرا لا يحيط به حصر ولا يحصره عد، وعدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان في كل زمان (إن الإنسان لظلوم) لنفسه بإغفاله لشكر نعم الله عليه، وظاهره شمول كل إنسان. وقال الزجاج:
إن الإنسان اسم جنس يقصد به الكافر خاصة كما قال - إن الإنسان لفي خسر - (كفار) أي شديد كفران نعم الله عليه جاحد لها غير شاكر لله سبحانه عليها، كما ينبغي ويجب عليه.
وقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والبخاري والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس في قوله (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) قال: هم كفار أهل مكة. وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عمر بن الخطاب في قوله (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا)