أنها كلمة الشهادة " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " وذلك إذا قعد المؤمن في قبره قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فذلك قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)، وقيل معنى تثبيت الله لهم هو أن يدوموا على القول الثابت، ومنه قول عبد الله بن رواحة:
يثبت الله ما آتاك من حسن * تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا ومعنى (في الحياة الدنيا) أنهم يستمرون على القول الثابت في الحياة الدنيا، قال جماعة: المراد بالحياة الدنيا في هذه الآية القبر لأن الموتى في الدنيا حتى يبعثوا، ومعنى (وفى الآخرة) وقت الحساب. وقيل المراد بالحياة الدنيا:
وقت المسألة في القبر، وفى الآخرة: وقت المسألة يوم القيامة: والمراد أنهم إذا سئلوا عن معتقدهم ودينهم أوضحوا ذلك بالقول الثابت من دون تلعثم ولا تردد ولا جهل، كما يقول من لم يوفق: لا أدرى، فيقال له لا دريت ولا تليت (ويضل الله الظالمين) أي يضلهم عن حجتهم التي هي القول الثابت فلا يقدرون على التكلم بها في قبورهم ولا عند الحساب، كما أضلهم عن اتباع الحق في الدنيا. قيل والمراد بالظالمين هنا الكفر، وقيل كل من ظلم نفسه ولو بمجرد الإعراض عن البينات الواضحة فإنه لا يثبت في مواقف الفتن ولا يهتدى إلى الحق، ثم ذكر سبحانه أنه يفعل ما يشاء من التثبيت والخذلان لا راد لحكمه، ولا يسأل عما يفعل، قال الفراء: أي لا تنكر له قدرة ولا يسأل عما يفعل، والإظهار في محل الإضمار في الموضعين لتربية المهابة كما قيل والله أعلم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة) قال: شهادة أن لا إله إلا الله (كشجرة طيبة) وهو المؤمن (أصلها ثابت) يقول: لا إله إلا الله ثابت في قلب المؤمن (وفرعها في السماء) يقول: يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء (ومثل كلمة خبيثة) وهى الشرك (كشجرة خبيثة) يعنى الكافر (اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار) يقول: الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان، ولا يقبل الله مع الشرك عملا. وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين ومن بعدهم. وأخرج الترمذي والنسائي والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس قال " أتى رسول الله صلى الله وآله وسلم بقناع من بسر فقال (مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة) حتى بلغ (تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها) قال: هي النخلة (ومثل كلمة خبيثة) حتى بلغ (ما لها من قرار) قال: هي الحنظلة ". وروى موقوفا على أنس. قال الترمذي: الموقوف أصح. وأخرج أحمد وابن مردويه. قال السيوطي بسند جيد عن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (كشجرة طيبة): قال هي التي لا ينقص ورقها قال:
هي النخلة. وأخرج البخاري وغيره من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما لأصحابه " إن شجرة من الشجر لا يطرح ورقها مثل المؤمن، قال: فوقع الناس في شجرة البوادي، ووقع في قلبي أنها النخلة، فاستحييت حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هي النخلة " وفى لفظ للبخاري قال:
" أخبروني عن شجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا تؤتى أكلها كل حين، فذكر نحوه ". وفى لفظ لابن جرير وابن مردويه من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هل تدرون ما الشجرة الطيبة؟، ثم قال: هي النخلة " وروى نحو هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها) قال: كل ساعة بالليل والنهار والشتاء والصيف، وذلك مثل المؤمن يطيع ربه بالليل والنهار والشتاء والصيف. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال: يكون أخضر ثم يكون أصفر. وأخرج عنه أيضا في قوله (كل حين) قال: جذاذ النخل. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن