المراد بتبديل نعمة الله كفرا أنهم لما كفروها سلبهم الله ذلك فصاروا متبدلين بها الكفر (وأحلوا قومهم دار البوار) أي أنزلوا قومهم بسبب ما زينوه لهم من الكفر دار البوار، وهي جهنم، والبوار الهلاك، وقيل هم قادة قريش أحلوا قومهم يوم بدر دار البوار: أي الهلاك وهو القتل الذي أصيبوا به، ومنه قول الشاعر:
فلم أر مثلهم أبطال حرب * غداة الحرب إذ خيف البوار والأول أولى لقوله (جهنم) فإنه عطف بيان لدار البوار، و (يصلونها) في محل نصب على الحال، أو هو مستأنف لبيان كيفية حلولهم فيها (وبئس القرار) أي بئس القرار قرارهم فيها، أو بئس المقر جهنم، فالمخصوص بالذم محذوف (وجعلوا لله أندادا) معطوف على: وأحلوا: أي جعلوا لله شركاء في الربوبية، أو في التسمية وهى الأصنام، قرأ ابن كثير وأبو عمرو " ليضلوا " بفتح الياء، أي ليضلوا أنفسهم عن سبيل الله، وتكون اللام للعاقبة:
أي ليتعقب جهلهم لله أندادا ضلالهم، لأن العاقل لا يريد ضلال نفسه، وحسن استعمال لام العاقبة هنا لأنها تشبه الغرض والغاية من جهة حصولها في آخر المراتب، والمشابهة أحد الأمور المصححة للمجاز. وقرأ الباقون بضم الياء ليوقعوا قومهم في الضلال عن سبيل الله، فهذا هو الغرض من جعلهم لله أندادا. ثم هد دهم سبحانه، فقال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم (قل تمتعوا) بما أنتم فيه من الشهوات، وما زينته لكم أنفسكم من كفران النعم وإضلال الناس (فإن مصيركم إلى النار) أي مردكم ومرجعكم إليها ليس إلا، ولما كان هذا حالهم، وقد صاروا لفرط تهالكهم عليه وانهماكهم فيه لا يقلعون عنه، ولا يقبلون فيه نصح الناصحين جعل الأمر بمباشرته مكان النهى قربانه إيضاحا لما تكون عليه عاقبتهم، وأنهم لا محالة صائرون إلى النار فلا بد لهم من تعاطى الأسباب المقتضية ذلك، فجملة (فإن مصيركم إلى النار) تعليل للأمر بالتمتع، وفيه من التهديد ما لا يقادر قدره، ويجوز أن تكون هذه الجملة جوابا لمحذوف دل عليه سياق الكلام، كأنه قيل، فإن دمتم على ذلك فإن مصيركم إلى النار، والأول أولى والنظم القرآني عليه أدل، وذلك كما يقال لما يسعى في مخالفة السلطان: اصنع ما شئت من المخالفة، فإن مصيرك إلى السيف (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية) لما أمره بأن يقول للمبدلين نعمة الله كفرا الجاعلين لله أندادا ما قاله لهم أمره سبحانه أن يقول للطائفة المقابلة لهم، وهى طائفة المؤمنين هذا القول والمقول محذوف دل عليه المذكور أي قل لعبادي أقيموا وأنفقوا ويقيموا وينفقوا، فجزم يقيموا على أنه جواب الأمر المحذوف، وكذلك ينفقوا، ذكر معنى هذا الفراء. وقال الزجاج: إن يقيموا مجزوم بمعنى اللام: أي ليقيموا فأسقطت اللام: ثم ذكر وجها آخر للجزم مثل ما ذكره الفراء: وانتصاب سرا وعلانية، إما على الحال: أي مسرين ومعلنين، أو على المصدر: أي إنفاق سر وإنفاق علانية، أو على الظرف: أي وقت سر ووقت علانية. قال الجمهور: السر ما خفى، والعلانية ما ظهر: وقيل السر التطوع، العلانية الفرض، وقد تقدم بيان هذا عند تفسير قوله - إن تبدوا الصدقات فنعما هي - (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال) قال أبو عبيدة: البيع ها هنا الفداء والخلال المخالة، وهو مصدر. قال الواحدي: هذا قول جميع أهل اللغة. وقال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون جمع خلة مثل برمة وبرام وعلبة وعلاب، والمعنى: أن يوم القيامة لا بيع فيه حتى يفتدى المقصر في العمل نفسه من عذاب الله بدفع عوض عن ذلك، وليس هناك مخاللة حتى يشفع الخليل لخليله وينقذه من العذاب، فأمرهم سبحانه بالإنفاق في وجوه الخير مما رزقهم الله ما داموا في الحياة الدنيا قادرين على إنفاق أموالهم من قبل أن يأتي يوم القيامة. فإنهم لا يقدرون على ذلك بل لا مال لهم إذ ذاك، فالجملة أعني " من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال " لتأكيد مضمون الأمر بالإنفاق مما رزقهم الله، ويمكن أن يكون فيها أيضا تأكيد