فما إن مضت من عمره خمس سنين إلا وابتدأت الفتن والاضطرابات والحوادث الداخلية في بلاده (البحرين) فوقعت الحروب القبلية بين القبيلتين (الهولة) و (العتوب) وطغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، واستمرت هي وتبعاتها سنين.
ولما تنتهي هذه المشكلة، ولم يكد ينجو منها أهل البحرين إلا ودهموا بأعظم منها وأشد وأخزى، إلا وهي هجمات الخوارج على البحرين كرة بعد أخرى، حتى إذا كانت السنة الثالثة حاصروها واحتلوها عنوة، فكانت وقعة عظمي وداهية دهماء، لما وقع من عظيم القتل والسلب والنهب وسفك الدماء وتلف الأموال. حتى اضطر وجهاء البلد وزعماؤها إلى الجلاء عن أوطانهم فارين بعيالهم منجين أنفسهم، ومنهم: والد المؤلف، فقد هاجر بعائلته إلى القطيف وخلف أكبر ولده (المؤلف) في ذلك المأزق الحرج والموقف الرهيب، عساه يتحفظ على ما تبقى من بقايا النهب، وعساه يسترجع بعضا " مما نهب من أثاث ومتاع، ولا سيما الكتب التي أخذت سلبا "، وذهبت نهبا "، خلفه ليستنقذ الذاهب وليتحفظ على الباقي ويبعث بذلك إلى والده شيئا " فشيئا " وبعد سنين قضاها كما مر، لحق أباه بالقطيف فجدد به العهد، وكان والده قد سئم المقام بالقطيف ومل المكث هناك، لكثرة العيال وقلة ذات يده، وكان قد أقلقته أنباء نوائب بلاده وأخبار حوادثها المسيئة فأشغلت فكره وأزعجته أيما إزعاج حتى بلغه أن سرية جاءت من إيران لاستخلاص البحرين وانقاذها من أيدي الخوارج فتربص يترقب عواقب الأمور، حتى جاء النبأ بأن الخوارج قد غلبوا الجيش الإيراني وقتلوا الجند جميعا " وأحرقوا البلاد، وكان مما أحرقوه دارا " مشيدة وبيتا " معمورا " لوالد المؤلف، فاتصل به نبأ احراق الدار فاغتم لذلك عما شديدا " أثر على صحته، فمرض من ذلك وطال به المرض شهرين إلى أن وافاه أجله، واختاره الله إلى دار رحمته الواسعة ضحوة اليوم الثاني والعشرين من شهر صفر سنة 1131.