الدنيا، وهي شاهدة له من تدبيرها وتوثقها وتقلب النعم فيها أعمى عن اعتماد (1) الصواب الذي هو مقتضاها، فهو في الآخرة التي هي غائبة (2) عنه " أعمى وأضل سبيلا " وقال قوم: من كان في هذه الدنيا أعمى عن طريق الحق، فهو في الآخرة أعمى عن الرشد المؤدي إلى طريق الجنة. وقال أبو علي: فهو في الآخرة أعمى عن طريق الجنة. ومن فخم في الموضعين، فلان الياء فيهما قد صارت ألفا لانفتاح ما قبلها. والأصل فمن كان في هذه أعمى، فهو في الآخرة أعمى، ومن كان فيما وضعناه من نعيم الدنيا أعمى، فهو في نعيم الآخرة أعمى. واما تفريق أبي عمرو بين اللفظين فلاختلاف المعنى، فقال ومن كان في هذه أعمى ممالا، فهو في الآخرة أعمى بالفتح اي أشد عما، فجعل الأول صفة بمنزلة أحمر وأصفر، والثاني بمنزلة أفعل منك، كقوله " وأضل سبيلا " اي أعمى قلبا. والعمى في العين لا يتعجب منه بلفظة (أفعل)، ولا يقال ما أعماه، بل يقال ما أشد عماه، وفي القلب ما أعماه بغير أشد، لان عما القلب حمق، كما قال الشاعر لمرور ما أحمره وأبيضه، فقال:
أما الملوك فأنت اليوم الامهم * لؤما وأبيضهم سربال طباخ (3) وقال بعضهم: لا وجه لتفريق أبي عمرو، لان الثاني، وإن كان بمعنى (أفعل منك " فلا يمنع من الإمالة، كما لم يمنع بالذي هو أدنى، قال ابن خالويه أبو عبد الله إنما أراد أبو عمرو ان يفرق بينهما لما اختلف معناهما، واجتمعا في آية واحده، كما قرأ " ويوم القيامة يردون " يعني الكفار، ثم قال في آخر؟ " عما تعملون " (4) اي أنتم وهم، ولو وقع مفردا، لأجاز الإمالة والتفخيم فيهما، قال أبو علي: ومن أمال الجميع كان حسنا، لأنه ينحو نحو الياء بالألف ليعلم انها منقلبة إلى الياء وان كانت فاصلة أو مشبهة للفاصلة، فالإمالة حسنة فيها، لان الفاصلة موضع