ذلك دلالة على أن الامر يكون أمرا بالندوب إليه دون الواجب، " وإيتاء ذي القربى " اي وأمرك باعطاء ذي القربى، ويحتمل أمرين:
أحدهما - صلة الأرحام، فيكون ذلك عاما في جميع الخلق.
والثاني - أن يكون أمرا بصلة قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وهم الذين أرادهم الله بقوله " فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى " (1) على ما بيناه فيما قبل وقوله " وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي " إنما جمع بين الأوصاف الثلاثة في النهي عنها مع أن الكل منكر فاحش، ليبين بذلك تفصيل ما نهى عنه، لان الفحشاء قد يكون ما يفعله الانسان في نفسه مما لا يظهر أمره ويعظم قبحه.
والمنكر ما يضر للناس مما يجب عليهم إنكاره، والبغي ما يتطاول به من الظلم.
لغيره، ولا يكون البغي من الفاعل لغيره، والظلم قد يكون ظلم الفاعل لنفسه.
وروي عن أبي عيينة، أنه قال: العدل هو استواء السريرة والعلانية، والاحسان أن تكون سريرته أحسن من علانيته، والفحشاء والمنكر أن يكون علانيته أحسن من سريرته.
ثم بين تعالى أنه يعظ بما ذكره خلقه، لكي يذكروا ويتفكروا، ويرجعوا إلى الحق.
ثم أمر تعالى خلقه بأن يفوا بعهده إذا عاهدوا عليه، والعهد الذي يجب الوفاء به: هو كل فعل حسن إذا عقد عليه، وعاهد الله ليفعلنه بالعزم عليه، فإنه يصير واجبا عليه، ولا يجوز له خلافه، ثم يكون عظم النقض بحسب الضرر به، فأما إذا رأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير وليكفر، عند الفقهاء.
وقال أصحابنا: إذا وجد خيرا منه فعل الخير، ولا كفارة عليه، وهذا يجوز فيما كان ينبغي ان يشرط، فأما إذا أطلقه وهو لا يأمن أن يكون غيره خير منه فقد أساء باطلاق العقد عليه.