يقول الله تعالى منبها لخلقه على وجه الاستدلال على وحدانيته " ألم يروا " يعني هؤلاء الكفار الجاحدين لربوبيته " إلى الطير " قد سخرها الله " في جو السماء " وسط الهواء، حتى مكنها ان تتصرف في جو السماء على حسب إرادتها، ويعلمون أن لها مسخرا ومدبرا، لا يشبه الأشياء، لان من المعلوم ان أحدا، من البشر لا يقدر على مثل ذلك، ولا يتأتى منه ذلك، وأن من مكن الطير من تلك الحال قد كان يجوز ان يمكنها منه ابتداء واختراعا، من غير أسباب أدت إلى أن صارت على تلك الأوصاف، لأنه قادر لا يعجزه شئ، ولا يتعذر عليه شئ، وأنه إنما خلق ذلك ليعتبروا به وينظروا فيه، فيصلوا به إلى الثواب الذي عرضهم له، ولو كان فعل ذلك لمجرد الانعام به على العبد كان حسنا، لكن ضم إلى ذلك التعريض للثواب على ما قلناه.
وإنما قال " ما يمسكهن الا الله " وهي تستمسك بالقدرة التي أعطاها الله مبالغة في الصفة بأن الله يمكنها بالهواء الذي تتصرف فيه، لأنه ظاهر انها بالهواء تستمسك عن السقوط، وأن الغرض من ذلك تسخير ما سخر لها. ثم قال " ان في " خلق " ذلك "، على ما وصفه، لدلالات لقوم يصدقون بتوحيد الله، ويصدقون أنبياءه وخص المؤمنون بذلك لامرين:
أحدهما - من حيث هم المنتفعون بها دون غيرهم.
الثاني - لأنهم يدللون بها على مخالفي التوحيد، وهي دلالة من الله للجميع، والجو - بالفتح - ما بين السماء والأرض، قال الأنصاري:
ويل أمها في هواء الجو طالبة * ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب (1) ثم عدد في الآية الأخرى نعمه، فقال: " والله جعل لكم من بيوتكم سكنا " أي مواضع تسكنون فيها " وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها " اي يخف عليكم حملها " يؤمن ظعنكم " أي ارتحالكم من مكان