وقال آخر:
فلا يدعني قومي صريحا لحرة * لئن لم أعجل طعنة أو اعجل (1) فقدم جواب (لئن) في البيتين جميعا. وقال قوم: لو جاز هذا لجاز أن تقول: قام زيد لولا عمرو، وقصد زيد لولا بكر، وقد بينا ان ذلك غير مستبعد، وان القائل قد يقول: قد كنت قمت لولا كذا، وكذا، وقد كنت قصدتك لولا أن صدني فلان، وان لم يقع قيام ولا قصد. على أن في الكلام شرطا، وهو قوله " لولا أن رأى برهان ربه " فكيف يحمل على الاطلاق.
والبرهان الذي رآه، روي عن ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد: انه رأى صورة يعقوب عاضا على أنامله.
وقال قتادة: انه نودي يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء.
وروي في رواية أخرى عن ابن عباس: انه رأى الملك.
وهذا الذي ذكروه كله غير صحيح، لان ذلك يقتضي الالجاء وزوال التكليف، ولو كان ذلك لما استحق يوسف على امتناعه من الفاحشة مدحا ولا ثوابا، وذلك ينافي ما وصفه الله تعالى. من أنه صرف عنه السوء والفحشاء، وانه من عبادنا المخلصين.
ويحتمل أن يكون البرهان لطفا لطف الله تعالى له في تلك الحال أو قبلها، اختار عنده الامتناع من المعاصي، وهو الذي اقتضى كونه معصوما ويجوز أن تكون الرؤية بمعنى العلم، وقال قوم: البرهان هو ما دل الله تعالى يوسف على تحريم ذلك الفعل، وعلى ان من فعله استحق العقاب، لان ذلك صارف عن الفعل ومقوي لدواعي الامتناع، وهذا أيضا جائز، وهو قول محمد بن كعب القرطي واختيار الجبائي.