على أنها همت بالمعصية، وقد بين الله تعالى ذلك في مواضع كثيرة ان يوسف لم يهم بالفاحشة. ولا عزم عليها منها قوله " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء " وقوله " انه من عبادنا المخلصين " ومن ارتكب الفاحشة لا يوصف بذلك وقوله " ذلك ليعلم اني لم أخنه بالغيب " ولو كان الامر على ما قاله الجهال من جلوسه مجلس الخائن وانتهائه إلى حل السراويل، لكان خائنا، ولم يكن صرف عنه السوء والفحشاء. وقال أيضا " ولقد راودته عن نفسه " فاستعصم " وفي موضع آخر حكاية عنها " أنا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين " وقوله حكاية عن العزيز حين رأى القميص قد من دبر " انه من كيد كن إن كيد كن عظيم " فنسب الكيد إليها دونه، وقوله أيضا " يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين " فخصها بالخطاب وأمرها بالاستغفار دونه. وقوله " رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه. وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن واكن من الجاهلين، فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن " والاستجابة تقتضي براءة ساحته من كل سوء، ويدل على أنه لو فعل ما ذكروه، لكان قد صبا ولم يصرف عنه كيدهن. وقوله " قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء " والعزم على المعصية من أكبر السوء. وقوله حاكيا عن الملك " ائتوني به استخلصه لنفسي، فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين امين " ومن فعل ما قاله الجهال لا يقال له ذلك.
ووجه آخر في الآية: إذا حمل الهم على أن المراد به العزم، وهو ان يحمل الكلام على التقديم والتأخير، ويكون التقدير ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها ويجري ذلك مجرى قولهم: قد كنت هلكت، لولا أني تداركتك، وقتلت لولا أني خلصتك، والمعنى لولا تداركي لك لهلكت ولولا تخليصي لك لقتلت، وان لم يكن وقع هلاك ولا قتل قال الشاعر:
فلا يدعني قومي صريحا لحرة * لئن كنت مقتولا ويسلم عامر (1)