حكى الله تعالى انه لما أذن يعقوب ليوسف في المضي معهم، وذهبوا به " وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب " اي عزموا على فعل ذلك، ولا يقال:
أجمع الا إذا قويت الدواعي إلى الفعل من غير صارف وأما من دعاه داع واحد، فلا يقال فيه أنه أجمع، فكأنه مأخوذ من اجتماع الدواعي، ويجوز أن يكون المراد انهم اتفقوا على إلقائه في غيابة الجب، والجعل والتصيير والعمل نظائر في اللغة.
والغيابة البقعة التي يغيب فيها الشئ عن الحس. وقيل طلبوا بئرا قليلة الماء تغيبه ولا تغرقه. وقيل بل جعلوه في جانب جبها، وسمى البئر التي لم تطو جبا لأنه جب ترابها عنها فقط، كأنه ليس فيها إلا قطع التراب. وجواب (لما) محذوف وتقديره عظمت فتنتهم أو كبر ما قصدوا له. وقال قوم: الواو في وأجمعوا مقحمة. والمعنى أجمعوا أن يجعلوه وهو مذهب الكوفيين، وأنشدوا قول امرئ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى * بنا بطن خبت ذي قفاف وعقنقل (1) يريد، فلما أجزنا ساحة الحي انتحى، وقال آخر:
حتى إذا قملت بطونكم * ورأيتم أبناءكم شبوا وقلبتم ظهر المجن لنا * ان اللئيم العاجز الخب (2) يريد قلبتم، فادخل الواو. والبصريون لا يجيزونه. وقوله " وأوحينا إليه " يعني إلى يوسف، قال الحسن أعطاه الله النبوة، وهو في الجب " لتنبئنهم بأمرهم هذا " معناه ستخبرهم بذلك في المستقبل و " هم لا يشعرون " قال ابن عباس والحسن وابن جريج لا يشعرن بأنه يوسف. وقال مجاهد وقتادة: لا يشعرون بأنه أوحي إليه.
والشعور ادراك الشئ بمثل الشعرة في الدقة، ومنه المشاعر في البدن. وقال