أكله في مخمصة متجانف، لاثم غفور لذنوبه أي ساتر عليه أكله، ويعفو عن مؤاخذته به، وليس يريد أن يغفر له عقاب ذلك، لأنه اباحه له، فلا يستحق عليه العقاب وهو رحيم أي رفيق بعباده. لان رحمته ورفقه أنه أباح لهم أكل ما حرم عليهم في حال الخوف على النفس وروى المثنى قال: قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وآله إنا بأرض يصيبنا فيها مخمصة، فما يصلح لنا من الميتة؟ قال: إذا لم تصطبحوا أو تعتبقوا أو تختفؤا بها بقلا، فشأنكم بها. وقال الحسن: يأكل منها مسكته.
وذكر في تختفئوا خمس لغات: تختفئوا بالهمزة وتختفوا - بحذفها - وتختفيوا - بقلبها ياء - وتختفوا وتخفوا - بالتخفيف - والخفا أصل البردي كانوا يقشرونه ويأكلونه في المجاعة، فمع وجود ذلك لا يجوز اكل الميتة.
وقوله: " فان الله غفور رحيم " عقيب قوله: " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم " لا يدل على أن له أن يعاقبهم على فعل المباح، لان الوجه في ذلك أنه أراد أن يصف نفسه بمغفرة الذنوب وسترها، والصفح عنها ليدل بذلك على أنه أحرى ألا يؤخذ بفعل المباحات التي ليست بذنوب، كما قال: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " فدل على أن ما يفعله من المغفرة أو العقوبة صواب وحكمة، ليكون أعم في الدلالة على استحقاقه الأوصاف المحمودة.
وأجاز بعضهم أن يكون ذلك ثوابا لبعض المكلفين قدمه، كما أنه يجوز أن تكون الحدود عقابا لهم قدمه فلا شبهة في ذلك.
قوله تعالى:
(يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله ان الله سريع الحساب) (5) - آية بلا خلاف -.