من المتقين ": معناه إنما يستحق الثواب على الطاعات من يوقعها لكونها طاعة فاما إذا فعلها لغير ذلك فإنه لا يستحق عليها ثوابا. فإذا ثبت ذلك، فلا يمتنع أن تقع من الفاسق يوقعها على الوجه الذي يستحق عليها الثواب فيستحق الثواب ولا تحابط عندنا بين ثوابه وما يستحق عليه العقاب. والاتقاء يكون لكل شئ يمتنع منه غير أنه لا يطلق اسم المتقين إلا على المتقين للمعاصي خاصة بضرب من العرف، لأنه أحق ما يجب أن يخاف منه كما لا يطلق خالق إلا على الله - عز وجل - لأنه أحق بهذه الصفة من كل فاعل، لان جميع أفعاله تقع على تقدير وترتيب وقوله: " إنما يتقبل الله من المتقين " يعني القرابين إنما قوله تعالى:
لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين (31) آية يتقبلها الله من الذين يتقون معاصي الله خوف عقابه دون من لا يتقيها.
في هذه الآية إخبار عن ولد آدم المقتول، وهو هابيل أنه قال لأخيه حين هدده بالقتل لما تقبل قربانه ولم يتقبل قربان أخيه، فقال " لئن بسطت إلي يدك " ومعناه لئن مددت إلي يدك. والبسط هو المد وهو ضد القبض " لتقتلني " معناه لان تقتلني ما أنا باسط يدي إليك لان أقتلك.
فان قيل لم قال ذلك وقد وجب بحكم العقل الدفع عن النفس وإن أدى إلى قتل المدفوع؟! قلنا: عنه جوابان:
أحدهما - أن معناه لئن بدأتني بقتل لم أبدأك لا على أني لا أدفعك عن نفسي إذا قصدت قتلي هذا قول ابن عباس وجماعة، وقيل: إنه قتله غيلة بأن ألقى عليه وهو نائم صخرة شدخه بها.