قوله تعالى:
(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) (116) آية بلا خلاف اخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغفر الشرك، وأنه يغفر ما دونه، وقد بينا الاستدلال بذلك على ما نذهب إليه من جواز العفو عن مرتكبي الكبائر من أهل الصلاة، وإن لم يتوبوا فما مضى، فلا وجه لإعادته وقيل أنه عنى بهذه الآية أبا طعمة الخائن حين أشرك ومات على شركه بالله، غير أن الآية وإن نزلت بسببه، فعندنا وعند جميع الأمة أن الله لا يغفر لمن أشرك به بلا توبة: لتناول العموم لهم، فان قيل: فعلى هذا من لم يشرك بالله بان لا يعبد معه سواه، وإن كان كافرا بالنبي صلى الله عليه وآله من اليهود النصارى ينبغي أن يكون داخلا تحت المشيئة، لأنه مما دون الشرك!
قلنا: ليس الامر على ذلك لان كل كافر مشرك، لأنه إذا جحد نبوة النبي اعتقد أن ما ظهر على يده من المعجزات - ليست من فعل الله، ونسبها إلى غيره، وان الذي صدقه بها ليس هو الله، ويكون ذلك اشراكا معه على أن الله تعالى أخبر عنهم بأنهم قالوا:
- يعني النصارى - " المسيح ابن الله، وقالت اليهود عزيز بن الله " (1) وذلك هو الشرك بالله تعالى على أنه لو لم يكونوا داخلين في الشرك لخصصناهم من جملة من تناولتهم المشيئة لاجماع الأمة على أن الله تعالى لا يغفر الكفر على وجه الا بتوبة.
وقوله: " ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا " يعني من يجعل في عبادته مع الله شريكا، فقد ذهب عن طريق الحق وزال عن قصد السبيل ذهابا بعيدا، لأنه باشراكه مع الله في عبادته فقد أطاع الشيطان، وسلك طريقه وترك طاعة ربه.