تسمية عيسى بأنه ابن الله، لأن هذه اللفظة لا تستعمل حقيقتها إلا في من خلق من مائه أو ولد على فراشه، ومجازها في من يجوز ذلك فيه. ولذلك لا يجوز أن يتخذ الشاب شيخا ابنا، وان جاز ان يتبنى بصبي، ولا يجوز ان يتخذ البهيمة ابنا، لما لم يجز أن تكون مخلوقة من مائه على وجه.
والحنيفية التي امر الله نبيه بأن يتبع إبراهيم فيها عشرة أشياء: خمسة في الرأس وخمسة في الجسد. فالتي في الرأس: المضمضة. والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، والفرق لمن يكون طويل الشعر، والتي في الجسد: فالاستنجاء، والختان، وحلق العانة، ونتف الإبط وقص الأظفار وجميع ذلك مستحب الا الختان والاستنجاء، فإنهما واجبان. وفيه خلاف ذكرناه في الخلاف. وقال الجبائي كلما كان تعبد الله به إبراهيم، فإنه تعبد به النبي صلى الله عليه وآله وأمته وزاده أشياء لم يتعبد بها إبراهيم (ع) وعموم الآية يقتضي ما قاله، وإن كان ذلك شرعا لنبينا من حيث اعلمه الله ذلك، وتعبده به بوحي من جهته.
قوله تعالى:
(ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شئ محيطا) (126). آية لما ذكر الله تعالى انه اتخذ إبراهيم خليلا لطاعته ربه واخلاصه له العبادة، ومسارعته إلى رضاه، بين ذلك بفضله لا من حاجة إلى خلته فقال: وكيف يحتاج إلى خلته من له ما في السماوات والأرض من قليل وكثير ملكا، ومع ذلك مستغن عن جميع خلقه. وجميع الخلق يحتاجون إليه فكيف يحتاج إلى خلة إبراهيم، لكنه اتخذه خليلا لمسارعته إلى رضاه وامتثاله ما يأمره به.
" وكان الله بكل شئ محيطا " يعني لم يزل الله عالما بجميع ما فعل عباده إن كان محسنا اثابه، وإن كان مسيئا عاقبه ان شاء.