الثاني - ان أصابتهم نقمة من الله لم ينيبوا تائبين من المعصية بل يزدادون جرأة بحلفهم كاذبين بالله عز وجل. وقال الحسين بن علي المغربي: الآية نزلت في عبد الله بن أبي وما أصابه من الذل عند مرجعهم من غزوة بني المصطلق هي غزوة المريسيع حين نزلت سورة المنافقين، فاضطر إلى الخشوع والاعتذار، وذلك مذكور في تفسير سورة المنافقين أو مصيبة الموت لما تضرع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في الإقالة والاستغفار واستوهبه ثوبه، ليتقي به النار يقولون: ما أردنا إلا إحسانا وتوفيقا أي بكلامه بين الفريقين المتنازعين في غزوة بني المصطلق. وقوله: (فاعرض عنهم) يأسا منهم (وعظهم) ايجابا للحجة عليهم " وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا " فيه دلالة على فضل البلاغة وحث على اعتمادها. وقوله: " إن أردنا إلا احسانا أردنا وتوفيقا " معناه قيل فيه قولان:
أحدهما - أي ما أردنا بالمطالبة بدم صاحبنا إلا احسانا إلينا، وما وافق الحق في أمرنا.
الثاني - ما أردنا بالعدول عنك في المحاكمة توفيقا بين الخصوم، واحسانا بالتقريب في الحكم دون الحمل على مر الحق. كل ذلك كذب منهم وافك.
ان قيل كيف يقتضي الانتقام منهم الاعتذار لما سلف من جرمهم؟ قلنا:
عنه جوابان:
أحدهما - للتقريع بتعجيل العقاب على ما ارتكبوا من الآثام.
الثاني - ان الانتقام قد يكون اقصاء النبي صلى الله عليه وآله واذلاله إياهم، وتخويفه بالنفي أو القتل ان لم ينتهوا عن قبائحهم - هذا قول الجبائي - والحلف: القسم.
ومنه الحلف، لتحالفهم فيه على الامر. وحليف الجود ونحوه، لأنه كالحلف في اللزوم، أو حلف الغلام إذا قارب البلوغ.
قوله تعالى:
(أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فاعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) (63) - آية -.