قوله تعالى:
(لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله والملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا) (171) آية.
معنى " لن يستنكف المسيح " لم يأنف. وأصله في اللغة من نكفت الدمع:
إذا نحيته بإصبعك من خدك. قال الشاعر:
فباتوا فلولا ما تذكر منهم * من الخلف لم ينكف لعينيك مدمع فتأويل " لن يستنكف " لن ينقبض ولن يمتنع. فمعنى الآية " لن يستكبر المسيح أن يكون عبدا " بمعنى من أن يكون عبد الله ولا الملائكة المقربون. ومعناه ولا يستنكف الملائكة أيضا، ولا يأنفون، ولا يستكبرون من الاقرار لله بالعبودية، والاذعان له بذلك " المقربون " الذين قربهم ورفع منازلهم على غيرهم من خلقه.
وقال الضحاك: المقربون معناه انه قربهم إلى السماء الثانية. وقوله: " ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر " معناه من يأنف من عبادة الله، ويتعظم عن التذلل والخضوع له، والطاعة له من جميع خلقه " فسيحشرهم ". ومعناه فسيبعثهم يوم القيام جميعا يجمعهم لموعدهم عنده. ومعنى إليه إلى الموضع الذي لا يملك التصرف فيه سواه، كما يقال صار أمر فلان إلي القاضي أي لا يملكه غير القاضي، ولا يراد بذلك المكان الذي فيه القاضي. واستدل قوم بهذه الآية على أن الملائكة أفضل من الأنبياء، قالوا: لا يجوز ان يقول القائل: لا يأنف الأمير أن يركب إلي ولا غلامه. وإنما يجوز أن يقال: لا يأنف الوزير أن يركب إلي ولا الأمير، فيعطف بعالي الرتبة على الأدون، ولا يعطف بالأدون على الاعلى. وهذا الذي ذكروه لا دلالة فيه من وجوه:
أحدها - أن يكون هذا القول متوجها إلى قوم اعتقدوا أن الملائكة أفضل من الأنبياء، فاجرى الكلام على اعتقادهم، كما يقول القائل لغيره: لا يستنكف أبي من