الحسن وابن جريج والضحاك، وأكثر المفسرين. فان قيل: لم جمع بين الزبر والكتاب ومعناهما واحد؟ قلنا: لان أصلهما مختلف، فهو زبور لما فيه من الزجر عن خلاف الحق، وهو كتاب، لأنه ضم الحروف بعضها إلى بعض، وسمي زبور داود لكثرة ما فيه من المواعظ والزواجر. فان قيل: كيف قال (فان كذبوك، فقد كذب رسل من قبلك) وهم وان لم يكذبوه أيضا، فقد كذب رسل من قبله؟
قلنا: لان المعنى فقد جروا على عادة من قبلهم في تكذيب أنبيائهم إلا أنه ورد على وجه الايجاز كما تقول: إن أحسنت إلي فقد طالما أحسنت.
قوله تعالى:
(كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار ودخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) (185) - آية بلا خلاف -.
لا يجوز أن يجعل (ما) في (إنما) بمعنى الذي وترفع أجوركم، لان يوم القيامة يصير من صلة توفون وتوفون من صلة الذين فلا يأتي ما في الصلة بعد أجوركم. وأجوركم خبر، ومعنى الآية إن مصير هؤلاء المفترين على الله من اليهود المكذبين برسوله الذين وصفهم، ومصير غيرهم من جميع الخلق إليه تعالى من حيث حتم الموت على جميعهم، فقال لنبيه صلى الله عليه وآله لا يحزنك قولهم وتكذيبهم وافتراء من افترى منهم على الله وعليك، وتكذيب من تقدمك من الرسل. فان مرجعهم إلي وأوفي كل نفس منهم جزاء عمله، فقال: توفون أجوركم يعني أجور أعمالكم إن خيرا فخيرا وثوابا. وإن شرا فشرا وعقابا، وهو نصب على أنه مفعول به.
وقوله: (فمن زحزح عن النار) معناه نحي عن النار، وأبعد منها (وادخل الجنة فقد فاز) أي نجا وظفر بعظيم الكرامة. وكل من لقي ما يغتبط به فقد فاز، ومعنى (فاز) تباعد من المكروه، ولقي ما يحب. والمفازة: مهلكة. وإنما سموها مفازة