العلم، لما فيه من الايجاز في انتفاء الجهاد، لأنه لو كان لعلمه، وتقديره ولما يكن المعلوم من الجهاد الذي أوجب عليكم، لان المعنى مفهوم لا يشتبه.
قوله تعالى:
(ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) (143) آية.
المعنى:
قال الحسن، ومجاهد، والربيع: وقتادة، والسدي: كانوا يتمنون الموت بالشهادة بعد بدر قبل أحد، فلما رأوه يوم أحد أعرض كثير منهم عنه، فانهزموا فعاتبهم الله على ذلك. وقوله: " فقد رأيتموه " فيه حذف ومعناه رأيتم أسباب الموت، لان الموت لا يرى كما قال الشاعر:
ومحلما يمشون تحت لوائه * والموت تحت لواء آل محلم أي أسباب الموت. وقال البلخي: معنى " رأيتموه " أي علمتم، وأنتم تنظرون أسباب الموت من غير أن يكون في الأول حذف. فان قيل هل يجوز أن يتمنى قتل المشركين لهم ليناوا منزلة الشهادة؟ قلنا: لا، لان قتل المشركين لهم معصية، ولا يجوز تمني المعاصي، كما لا يجوز إدارتها، ولا الامر بها. فإذا ثبت ذلك، فتمنيهم الشهادة بالصبر على الجهاد إلى أن يقتلوا، وقال الجبائي: إنما تمنوا الموت دون القتل إذا كانوا مجاهدين قال الأزهري قوله: " رأيتموه وأنتم تنظرون " معناه وأعينكم صحيحة، كما يقول القائل رأيت كذا، وليس في عينك سوء. والفرق بين التمني والإرادة أن الإرادة من أفعال القلوب، والتمني هو قول القائل: ليت كان كذا وليت لم يكن كذا. وقوله: " وأنتم تنظرون " بعد، قوله " فقد رأيتموه " يحتمل أمرين ".
أحدهما - أن يكون تأكيدا للرؤية، كما تقول: رأيته عيانا ورأيته بعيني.