مشتغلا بذكره وخدمته، فكأنه لا يعرف الخلق، فهذا سبيل المرسلين والصديقين، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وآله:
سائل العلماء، وخالط الحكماء، وجالس الكبراء 1.
فالمراد بقوله صلى الله عليه وآله " سائل العلماء " العلماء بأمر الله تعالى غير العالمين بالله، فأمر بمسائلتهم عند الحاجة إلى الاستفتاء، وأما الحكماء فهم العالمون بالله الذين لا يعلمون أوامر الله، فأمر بمخالطتهم، وأما الكبراء، فهم العالمون بهما، فأمر بمجالستهم، لان في مجالستهم خير الدنيا والآخرة، ولكل واحد من الثلاثة ثلاث علامات: فللعالم بأمر الله: الذكر باللسان دون القلب، والخوف من الخلق دون الرب، والاستحياء من الناس في الظاهر ولا يستحيي من الله في السر. والعالم بالله ذاكر خائف مستحي، أما الذكر فذكر القلب لا اللسان، والخوف خوف الرجاء 2 لا خوف المعصية، والحياء حياء ما يخطر على القلب لا حياء الظاهر. والعالم بالله وأمره له ستة أشياء: الثلاثة المذكورة للعالم بالله فقط، مع ثلاثة أخرى: كونه جالسا على الحد المشترك بين عالم الغيب وعالم الشهادة، وكونه معلما للمسلمين 3، وكونه بحيث يحتاج الفريقان الأولان إليه، وهو مستغن عنهما. فمثل العالم بالله وبأمر الله كمثل الشمس لا تزيد ولا تنقص، ومثل العالم بالله فقط، كمثل القمر يكمل تارة وينقص أخرى، ومثل العالم بأمر الله كمثل السراج يحرق نفسه ويضئ لغيره 4.