وللآخر: تعودت النار فادخلها.
والدليل على أن العلم جنة، والجهل نار أن: كمال اللذة في إدراك المحبوب 1، وكمال الألم في البعد عن المحبوب، فالجراحة إنما تؤلم، لأنها تبعد جزء من البدن عن جزء، والمحبوب من تلك الأجزاء هو الاجتماع. والاحراق بالنار أشد إيلاما من الجرح، لان الجرح لا يفيد 2 إلا تبعيد جزء معين عن جزء معين، والنار تغوص في جميع الأجزاء، وتقتضي تبعيد بعض الاجزاء عن بعض 3.
وإذا تقرر ذلك، فكلما كان الادراك أغوص وأشد، والمدرك أشرف وأكمل، والمدرك أبقى وأنقى، فاللذة أشرف. ولا شك أن محل اللذة هو الروح، وهو أشرف من البدن، وأن إدراك العقل أغوص وأشرف، وأما المعلوم فلا شك أنه أشرف، لأنه هو الله رب العالمين، وجميع مخلوقاته من الملائكة وغيرهم، وجميع تكليفاته، وأي معلوم أشرف من ذلك 4؟!
فإذا قد تطابق العقل والنقل على شرف العلم، وارتفاع محله، وعظم جوهره، ونفاسة ذاته. ولنقتصر من المقدمة على هذا القدر.
.