على ابن آدم بعد خلقه وإبرازه من ظلمة العدم إلى ضياء الوجود فقال سبحانه في أول سورة أنزلها على نبيه محمد صلى الله عليه وآله:
اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم 1.
فتأمل كيف افتتح كتابه الكريم المجيد - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد 2.
- بنعمة الايجاد، ثم أردها بنعمة العلم، فلو كان ثم منة أو توجد نعمة بعد نعمة الايجاد هي أعلى من العلم لما خصه الله تعالى بذلك، وصدر به نور الهداية، وطريق الدلالة على الصراط المستقيم الآخذ بحجزة البراعة، ودقائق المعاني وحقائق البلاغة.
وقد قيل 3 وفي وجه التناسب بين الآي المذكورة في صدر هذه السورة - التي قد اشتمل بعضها على خلق الانسان من علق، وفي بعضها تعليمه ما لم يعلم، ليحصل النظم البديع في ترتيب آياته -: إنه تعالى ذكر أول حال الانسان، وهو كونه علقه، مع أنها أخس الأشياء، وآخر حاله، في تلك الدرجة التي هي غاية الخساسة، فصرت في آخر حالك في هذه الدرجة التي هي الغاية في الشرف والنفاسة، وهذا إنما يتم لو كان العلم أشرف المراتب، إذ لو كان غير أشرف لكان ذكر ذلك الشئ في هذا المقام أولى.
ووجه آخر: أنه تعالى قال:
وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم.
.