واما القسم الثاني وهو النفوس الموصوفة بالاعتقادات الباطلة والأخلاق الردية فتلك الأمور اما أن تكون راسخة فان كانت راسخة فهي التي يدوم بها العذاب لان الجهل المركب مضاد لليقين فإذا كان متمكنا من جوهر النفس اعتقدت حينئذ انه كمالها ورجت الوصول إلى ما تمثل (1) فيها انه كمالها المسعد (2) وكانت لا محالة بعد الموت منقطعة بفقدان مارجته فتصير معذبة بعدم الوجدان لما كانت راجية له فيدوم بدوام الجزم بصحة ذلك وان كانت غير راسخة فلهم عذاب منقطع لكون الهيئات الحاصلة لهم بسبب الاشتغال بالمضاد حالات غير متمكنة من تلك النفوس ولا مستحكمة فيها أو لأنها مستفادة من أحوال وأمزجة فتزول بزوالها.
واما القسم الثالث وهي الموصوفة بالاعتقادات الحقة والأخلاق الردية فتلك الاعتقادات ان كانت برهانية فالنفوس بها سعيدة الا ان تلك السعادة مكدرة بعذاب يحصل من تلك الأخلاق الردية الا انه زائل بزوال تلك الأخلاق اما لأنها غير راسخة أو لكونها مستفادة من الأمزجة فتزول بزوالها.
القسم الرابع - وهي النفوس الموصوفة بالاعتقادات الباطلة والملكات الفاضلة وعذابها دائم ان كانت تلك الاعتقادات راسخة ومنقطع ان كانت غير راسخة والعلة ما سبق.
القسم الخامس - النفوس الخالية عن الاعتقادات الحقة والباطلة الموصوفة بالأخلاق الفاضلة كنفوس كثير من البله، والذي عليه ظاهر نظر المحققين انها بعد المفارقة لا يكون لها عذاب بسبب خلوها عن أسباب العذاب فإذا هي في سعة من رحمة الله وهذا مطابق للإشارة النبوية: أكثر أهل الجنة البله، وإن كان ذلك ليس تمام المراد من الإشارة، ثم لا يجوز عندهم ان يتعطل عن الادراك إذ لا تعطل (3) في الوجود ولا يمكن ان يدرك الا بآلة جسمانية فذهب بعض الحكماء إلى جواز تعلقها باجرام أخرى فلكية (4) ضربا من التعلق لاعلى سبيل انها نفوس لتلك الاجرام مدبرة لها فان ذلك غير ممكن بل قد تستعمل تلك الاجرام